الأسعار والأجور

الدكتور فهد الخطيب*

 

مقدمة:

تكتسب ندوتنا حول الأسعار والأجور أهمية بالغة في الوقت الذي أصبحت هذه المسألة من القضايا المركزية التي تواجهها مسيرة التنمية، فهي تعتبر في الوقت الحاضر من أخطر المسائل الاقتصادية وإحدى المسائل المركزية والاستراتيجية التي تواجهها البلدان النامية.

والاستراتيجية كما نعلم ليست مرحلة أو تدابير تتخذ في زمن معين، بل هي شرط من شروط حياة الأمة وتقدمها واستمرارها.

يقول ابن خلدون في «المقدمة»:

(عندما تنتشر الرشوة والفساد في بلد ما فهذا لا يدل على فساد ضمائر الناس، وإنما يدل على سوء توزيع الثروة…) وأضيف وفساد السلطة فالمائدة لا يحرسها جائع.

ولا غرو في أن الشعوب باتت تحكم على الأنظمة من وجهة نظر الأسعار والرواتب والأجور فالأسعار والأجور مرآة خالقة وعاكسة بآن واحد للواقع الاقتصادي والاجتماعي كله. وليست الجيوش وحدها التي تزحف على بطونها ـ كما يقول نابليون ـ بل أغلب موظفي وعمال الدخل المحدود أيضاً.

ويجب أن نعترف أولاً بأن تجربة التنمية في الوطن العربي بأبعادها المتشابكة وإن حققت بعض النجاحات النسبية هنا أو هناك. إلا أنها لا تزال أشبه بواقع مسخ لا يخفي قبحه كل مساحيق التجميل الوطنية والأجنبية التي تهيلها عليه بعض النخب المسيطرة.

ويجب الانتقال حتماً من توصيف الواقع من قبيل البكاء على الأطلال إلى استراتيجية علمية واضحة، وإجراءات تنفيذية تهدف إلى بناء القوة الإبداعية والاعتماد على الذات. وتتخطى مجرد تحقيق نمو مقبول في الناتج القومي إلى تحقيق عدد من التبدلات الجوهرية والهيكلية تؤدي إلى تحقيق نسبي للتنمية المستقلة، وتوازن حقيقي للأجور والأسعار.

إن البلد الأكثر تطوراً ودخلاً يظهر لذلك الأقل تطوراً صورة مستقبله.

لهذا فإن خلق القوة الفاعلة في تحقيق التنمية المعتمدة على الذات وحل المسائل السعرية والرواتب والأجور مرتبط بشكل أساسي في تحقيق إنتاجية تكنولوجية. وتتمثل التبعية هنا بعدم القدرة على حل المسائل التي تطرحها التنمية بمختلف جوانبها المتعددة.

ويجدر التنويه هنا بأن القضايا المتعلقة بالمسألة السعرية وتكاليف المعيشة، والأمن الغذائي القطري أو القومي مثلاً لا تنجم بالضرورة عن نقص الإنتاج فحسب، وإنما عن نقص في القوة الشرائية الحقيقية أيضاً. والتوزيع غير المتكافئ للدخول والاستراتيجية البعيدة المدى تكمن، وعلى حد سواء، في تغطية حاجة الطلب بزيادة الإنتاج والدخول الحقيقية معاً.

ولا أعتقد أننا بحاجة إلى تأكيد حقيقة وأهمية بحث الأسعار والأجور. فهذه القضية أصبحت مشكلة يومية، وحضارية، ولا تعني رفاه الإنسان فحسب، وإنما تعني الوجود ذاته. وخاصة في الوقت الذي نحس فيه بوطأة الأسعار ومستوى الرواتب والأجور عموماً، لاسيما على ذوي الدخل المحدود، حيث أصبحت نفقات تكاليف المعيشة ذا وطأة ثقيلة، ونوع من أنواع الضرائب غير المباشرة.

وهذه العملة الورقية في أيدينا لا قيمة لها إلا بما يقابلها من سلع منتجة أو خدمات حقيقية. وكلما انخفضت القوة الشرائية الحقيقية وارتفعت معدلات التضخم مع ثبات معدلات الأجور والرواتب كلما ازدادت حياة الجماهير الشعبية صعوبة ومشقة.

والسؤال الذي يطرح بجدية في الوقت الحاضر:

ما هي نسبة الدخل اللازمة لتغطية الحاجات الأساسية والضرورية والغذائية للفرد والأسرة في بلد ما نجد 30% من وسطي الدخل تكفي لتغطية تكاليف المعيشة الأساسية. وفي بلد آخر لا يغطي كامل وسطي الدخل المحدود سوى 30% من الحاجات الضرورية.

ومن هنا نؤكد النقاط الهامة التالية:

1 ـ في دراسة جدلية الأبعاد الاقتصادية المتشابكة بالأبعاد الاجتماعية نؤكد حقيقة واضحة تماماً بأنه لا يمكن بحالٍ من الأحوال تصور تطوراً اقتصادياً حقيقياً في القطر في واقع مستوى الرواتب والأجور القائم حالياً.

إن بلدنا اليوم يمر بمرحلة الإصلاح والتحديث والتطوير، والتي بدأت تتسارع عجلتها في الأشهر الأخيرة.

يقول السيد الرئيس بشار الأسد: «إن الازدهار الاقتصادي كلمة واضحة لها محوران أساسيان هما: زيادة فرص العمل ورفع المستوى المعاشي للمواطنين». «وأن الازدهار في المجالات المختلفة يرتكز إلى ازدهار اجتماعي، وبدون الازدهار الاجتماعي فإن إشكال الازدهار الأخرى تكون مؤقتة أو كاذبة أو وهمية».

2 ـ القانون العام السائد في الجزء الأعظم من أرضنا العربية هو ارتفاع الأسعار عند انحسار العرض واشتداد الطلب. والطبقات الحاكمة والمستفيدة لا يهمها ذلك بالطبع لأنها أصلاً تنهب شعوبها، حيث أن المستفيد من إجراءات وقوانين الدولة الاقتصادية ليست الجماهير الشعبية فحسب وإنما الفئات الحاكمة والطفيلية التجارية بشكل خاص أيضاً.

3 ـ إن البنية الهيكلية للبناء الفوقي في أغلب الأنظمة السياسية والاقتصادية في البلدان النامية هي أولاً وقبل كل شيء العدو الأول لشعوبها. وإذا لم تلتحم السلطة بالجماهير الشعبية وتدافع عن مصالحها فهل يمكن التحدث عن مستوى الأسعار ومستوى الرواتب والأجور وتكاليف المعيشة أصلاً.

4 ـ وإذا كنا نعترف بأن الاقتصاد هو المحرك الأساسي للمجتمع فلا نبالغ القول بأن الأسعار هي المحصلة النهائية للاقتصاد السياسي كله. ولهذا كانت الأسعار والرواتب والأجور أهم المشكلات الاقتصادية الملحة في كل زمان ومكان.

الأسعار أداة هامة جداً من أدوات الإدارة المركزية للاقتصاد وتستخدم الأسعار بصورة واعية في سبيل تحقيق أفضل إشباع لحاجات الجماهير المتنامية على أساس النمو السريع لقوى الإنتاج والارتفاع المستمر لإنتاجية العمل.

ومن الوظائف الهامة لتشكل الأسعار ضرورة تحديدها بشكل تستطيع دفع عملية التقدم التكنيكي وإنتاج واستهلاك الأنواع الأكثر تقدماً.

عند تحديد أسعار المنتجات الزراعية مثلاً فإن الدولة توزع بصورة مخططة الدخل القومي بين الزراعة والفروع الاقتصادية الأخرى. وتستخدم الدولة هذه الأسعار كأداة للتأثير على تطور الفروع المختلفة للإنتاج الزراعي.

5 ـ تحقيق السياسة الاجتماعية للأسعار ومكافحة الفساد الإداري والمضاربات وتشجيع المنتجين المباشرين وشرفاء العاملين والتخلص من المقنعين الذين يستخدمون السلطة والمال. لأن ذلك لو ترك سيؤدي إلى سوء توزيع الدخل وانخفاض الإنتاج وارتفاع الأسعار وذلك عن طريق «نظام محاسبة المسؤولية وتقييم الأداء».

ـ ويشير المقريزي في إطار وصف المجاعات التي تعرضت لها مصر، إلى موقف يتميز بنقص إنتاج السلع وارتفاع أسعارها، ويرجع ذلك في نظر المقريزي إلى أسباب اقتصادية طبيعية وأسباب اجتماعية تتمثل أساساً في فساد الإدارة فساداً يحدث أثره في الإنتاج.

«فولاية الخطط السلطانية والمناصب الدينية تتم بالرشوة كالوزارة والقضاء ونيابة الأقاليم وولاية الحسبة وسائر الأعمال، بحيث لا يمكن التوصل إلى شيء منها إلا بالمال الجزيل، فتحظى لأجل ذلك كل جاهل ومفسدٍ وظالم وباغٍ إلى ما لم يكن يؤهله من الأعمال الجليلة والولايات العظيمة، لتوصله بأحد حواشي السلطان، ووعده بمال للسلطان على ما يريده من الأعمال…»(*).

وقد ترتب على ذلك أن أصيب الناس بكثرة المغارم وتنوع المظالم ومن ثم «اختلفت أحوالهم، وتمزقوا كل ممزق، وجلوا عن أوطانهم، فقلت مجابي البلاد ومتحصلها، لقلة ما يزرع بها، ولخلو أهلها ورحيلهم منها لشدة الوطأة من الولاة عليهم وعلى من بقي منهم».

آ ـ ورغم أن الفساد الإداري، وانتشار الرشوة في السوق السوداء في محاولة لتصحيح العلاقات غير الصحيحة التي تتم في إطار التوزيع غير العادل للدخل بين هذه الفئات الاجتماعية المختلفة، كان يمكن أن يكون نتيجة طبيعية للتضخم الذي يتمثل في ارتفاع الأسعار بصورة مطردة وانخفاض القوة الشرائية للنقود، فإن المقريزي وضع الفساد الإداري كأحد أسباب المجاعة وارتفاع الأسعار، ومع ذلك فإن ما ذهب إليه صحيح من ناحية أن القرار السياسي هو الذي يساهم في ازدياد حدة أو انحسار المجاعة كقيم استعمال تشبع حاجات المجتمع المختلفة.

ب ـ والسؤال حالياً: لماذا أصبحت القوة الشرائية الحقيقية الحالية لمتوسط الرواتب والأجور أقل من هذا المتوسط وخلال خمسة عشر عاماً. وبمعنى آخر لماذا نقص متوسط الدخل الفردي الحقيقي وخلال خمسة عشر عاماً ولم يزد؟.

6 ـ ولابد من التساؤل أخيراً:

لمصلحة من تتم السياسية السعرية. وكيف يجري توزيع وإعادة توزيع الدخل القومي؟.

لقد حققت الكثير من دول الأطراف المتناثرة هنا وهناك تنمية نسبية لقطاع ما أو لقطاعات متعددة. ولكن هذه التنمية كانت في محصلة المركز المؤثر أكثر من تحقيق مصالح جماهيرها.

يقول رئيس جمهورية البرازيل:

«لقد حققت البرازيل تنمية، لكن هذه التنمية ليست للبرازيليين».

أولاً ـ السياسية السعرية:

1 ـ 1 ـ إن المفهوم العام لمسألة السياسة السعرية ولمسألة الرواتب والأجور المرتبطة بالأمن الغذائي قطرياً وقومياً يكمن في مفهوم الأمن للشعوب لا أمن الرفاه الطبقي.

وينطلق من مبادئ الميزة النسبية وتطوير الاقتصاد الوطني وترشيد النمط الإنتاجي والاستهلاكي والغذائي.

إن ارتباط مفهوم المسألة السعرية ومسألة الرواتب والأجور بالمنتجين المباشرين الذين يخلقون القيمة في كل القطاعات الاقتصادية المنتجة، وبمصالح الطبقات الكادحة والعريضة من الجماهير الشعبية، ضرورة حتمية.

ـ لقد قامت وزارة التموين والتجارة الداخلية بمحاولة الإشراف على السوق التجارية عن طريق مراقبة تجارة المواد الاستهلاكية، وتحديد عمولات الوساطة التجارية من جهة أخرى. بالإضافة إلى الرقابة على الأسعار. وكانت القرارات الصادرة بتحديد نسب الأرباح وتحديد أسعار معينة لبعض السلع والخدمات، وإحداث الصندوق المعدل للأسعار التي كانت مهمته تتمثل في إيجاد الاستقرار المنشود عن طريق امتصاص الفروقات الناجمة عن كون أسعار الاستيراد أو الإنتاج أقل من مستوى الأسعار المقررة وبالعكس تغطية الفروقات الناجمة عن ارتفاع هذه عن مستوى الأسعار المقرر.

1 ـ 2 ـ لقد أقرت الدولة مشروع السياسة العامة للأسعار عام 1979, وكان هذا المشروع في حقيقته محاولة أولية ومتواضعة لمعالجة مشكلة الأسعار والمساهمة في النمو الاقتصادي المتوازن. لقد اتسم هذا المشروع بعدم وضوح السياسة السعرية وعدم انسجامها مع المتغيرات الاقتصادية والمشاكل الأساسية للاقتصاد الوطني. كما أغفل هذا النظام الذي سنعرض بعض خطوطه العريضة بشكل موجز ضرورة وجود نظام صحيح للأجور. فالعلاقة الجدلية المتبادلة بين الأسعار والأجور غير قابلة للانفصام.

آ ـ لقد رسمت المبادئ العامة للأسعار بوجوب تحقيق مركزية الأسعار ووحدة السعر واستقراره، وترشيد الإنفاق إلى جانب تدخل الدولة الإيجابي في السوق للاسهام في استقرار الأسعار، وتوفير السلع ومكافحة الاحتكار وتطوير التجارة الداخلية لتحقيق التوازن والتناسب بين فروع الاقتصاد، والتنسيق بين الاستهلاك والإنتاج من جهة وبين الاستهلاك والتجارة الخارجية من جهة ثانية… وإقامة نظام يؤدي إلى عملية استقرار الأسعار.

ب ـ لقد كانت أجهزة التسعير في القطر تتوزع ـ ولا تزال ـ بين جهات متعددة وكانت هذه الجهات تمارس صلاحياتها في التسعير ضمن ظروفها الخاصة دون ارتباط أو تنسيق… وكانت المهمة الأساسية بالطبع إقامة الجهاز المركزي للأسعار الذي لم يرى النور بعد وإلى تاريخه.

جـ ـ فهل تحققت الأهداف العامة لهذه السياسة أو بعض ملامحها في العقود الأخيرة. لاشك أننا لا نستطيع أن نعيد هذا الفشل النسبي إلى جهة واحدة… بقدر ما يجب بحث كافة العوامل المتشابكة التي تتعلق بظروف التنمية الاقتصادية، وارتفاع معدلات التضخم وانخفاض الإنتاجية، وتوفر المادة….

د ـ ويبقى السؤال قائماً: هل تحققت فعلاً على الصعيد العملي آثار القرارات الصادرة لتحديد نسب الأرباح لمختلف السلع والخدمات في السوق الداخلية؟.

والجواب المعروف جيداً يؤكد نسبة النجاح أو الفشل… والحقيقة أيضاً أن هذه القرارات لم تكن نافذة وخاصة في مجال تحديد السعر النهائي للمستهلك إلا على جملة من المواد ذات الصيغة الاحتكارية المنتجة أو المسوقة من قبل الدولة.

1 ـ 3 ـ أما التأثير المباشر على أسعار السلع المنتجة من قبل القطاع الخاص فيكاد يكون هامشياً. بل يمكن القول أن الاختلالات في ميكانيكية السوق الداخلية أدت إلى تنامي أسعار السوق السوداء حتى بالنسبة لكثير من منتجات القطاع العام وفي فترات معينة.

ـ لقد سادت بيروقراطية مطلقة في عملية تنظيم الأسعار وأدى ضعف الكادر الفني اللازم إلى آثار سلبية بعدم تحريك أسعار القطاع العام والخاص في الوقت المناسب واستفاد القطاع الخاص وقطاع التهريب من فوضى الأسعار. واختلال العرض والطلب… بل يمكن القول أن السياسة السعرية الاحتكارية كانت سائدة لكثير من سلع القطاع العام والخاص معاً.

فهل تمت المراجعة أو المراقبة المستمرة لتأثير هذه السياسات والاجراءات التنفيذية. هل تم إعادة تقييم صحيح للدور الإيجابي أو السلبي لتطبيق إجراءات تنظيم الأسعار في القطر.

هذا لم يحدث بعد؟!..

1 ـ 4 ـ لقد تم أخيراً إنهاء الدور العملي لوزارة التموين والتجارة الداخلية كجهاز للأسعار. ولم يعد يتجاوز دور الرقابة التموينية الأدوار الهامشية من حيث مراقبة الإعلان عن الأسعار، والتأكد من صحة البيانات الموضوعة على المنتجات وفحص بعض العينات وتحليلها في المخابر المعتمدة.

كما تم عملياً التخلي عن تحديد أسعار القطاع الخاص والقطاع العام بشكل مركزي. الأمر الذي أدى إلى تناقضات خطيرة.

ـ وهكذا تم تأبين السياسة السعرية ودور وزارة التموين في الأسعار دون مراسم أو وداع رسمية.. وهكذا ارتبط تعويم سعر العملة الوطنية بالقطع الأجنبي بعملية تحرير الأسعار كما تم احتساب تكاليف السلع والمواد الأولية المستوردة بأسعار القطع في البلدان المجاورة. وهذا أدى بالطبع إلى ارتفاع مستوى الأسعار لهذه السلع بنسب تجاوزت 1300% قياساً لأسعار 1980 مثلاً. فهل ارتفعت الرواتب والأجور بالنسب المذكورة.

1 ـ 5 ـ وطالما أخفقت الدولة عملياً في عملية تنظيم الأسعار فإن المهمة الأساسية في ظروفنا الاقتصادية الحالية هي اتخاذ الإجراءات الاقتصادية المتتالية لخلق ظروف المنافسة الاقتصادية بشكل صحيح وسيادة ميكانيكية اقتصاد السوق.

ـ لقد فشلت الدولة في تحقيق أولويات السياسة السعرية وخاصة وجوب استخدام السعر كحافز اقتصادي يساهم في تحسين جودة السلع وتحقيق استقرار الأسعار.

كما أغفل وجوب إعادة النظر بالسياسة الضريبية والربط الصحيح بين مستوى تكاليف المعيشة والسياسة الضريبية.

وبالتالي فإن سياسة النمو الاقتصادي في القطر وتطور القطاعات الاقتصادية المتعددة واتجاهات الدولة للتدخل الإيجابي في السوق يؤكد ضرورة وضع السياسة السعرية في ضوء أسس التحليل والمبادئ التالية:

1 ـ متابعة تطور الأسعار وتفسير حركتها وأعداد البدائل للسياسة السعرية وسياسة الدخول والرواتب بالكيفية التي تؤمن التوازن واستقرار القوة الشرائية الحقيقية.

2 ـ المضي في أحكام السيطرة على تحديد أسعار السلع الضرورية والأساسية والتي تدخل في مجال استهلاك الجماهير الشعبية، واتخاذ ما يلزم لتأمين الجزء الأكبر منها بأسعار معقولة وفي متناول الأغلبية الساحقة من المواطنين.

3 ـ يجب أن تؤدي السياسة السعرية وظائفها الأساسية وخاصة كنظام حوافز لتوجيه القطاع العام والخاص نحو استخدام أفضل للموارد الاقتصادية وخاصة بالنسبة للسلع التي تتوفر مستلزمات إنتاجها محلياً. واستغلال الطاقات الإنتاجية المتاحة والهدر المتعدد الجوانب وبكافة أشكاله.

4 ـ تحليل العلاقة المتبادلة بين حركة الأسعار في الداخل وفي الجوار. ومتابعة تغيّرات أسعار الصادرات والاستيرادات على السوق الداخلية، ومدى انعكاساتها على المستوى العام للأسعار في القطر.

1 ـ 6 ـ لقد تعممت مفاهيم خاطئة، واستمرت لفترات طويلة ـ ولا تزال ـ مثل مفاهيم «الحماية» حماية الصناعات الوطنية للقطاع العام أو الخاص. دون الأخذ بعين الاعتبار المفاهيم الاقتصادية الحقيقية. كمفهوم الاستغلال الأمثل للطاقات المتاحة وتخفيض الهدر المتعدد الجوانب، والإنتاج النوعي المطلوب، أو مستوى منحنيات التكلفة الفعلية أو الاجتماعية…

آ ـ لقد جمّد هذا المفهوم ولفترات زمنية طويلة مسألة تطوير الاقتصاد الوطني، وتحسين النوعية بل سادت الصيغة الاحتكارية لكثير من السلع المنتجة في القطاع العام أو الخاص.

ونرى بالطبع، ومع الأخذ بعين الاعتبار الظروف الاقتصادية للقطر وجوب اتخاذ الإجراءات الاقتصادية اللازمة لحماية الصناعة الوطنية… لكن هذه الحماية يجب أن تكون حماية «مؤقتة» زمنياً.

ب ـ الصيغة الاحتكارية لقطاع ما، أو منتج ما، أو لسلعة ما يجب أن تنتهي حتماً طالما أن المستهلك الأخير هو الذي يدفع الثمن العالي في نهاية المطاف، كما يجب عدم إغفال القيمة الاستعمالية للسلع المنتجة.

جـ ـ وبالطبع يجب أن تسود المفاهيم والقيّم والحسابات الاقتصادية التي تؤكد أن المنتج الأساسي المباشر الذي يستغل الطاقات الإنتاجية المتاحة ونسب الانتفاع من الطاقة. هذا المنتج الذي ينتج أكبر كمية ممكنة، وبالنوعية المطلوبة الملائمة التي تلبي رغبة وذوق المستهلك، وبالتكلفة الأقل….

هي المؤشرات الاقتصادية الأساسية لمعادلة السعر والقيمة الاستعمالية.

ثانياً ـ القوة الشرائية والأسعار:

أن العملة الورقية التي في أيدينا ليس لها قيمة إلا بما يقابلها بالطبع من سلع وخدمات حقيقية.

من هنا كان التمييز جلياً بين الدخل الأسمي المتمثل بالمبالغ النقدية والدخل الحقيقي المتمثل بكميات السلع والخدمات التي يمكن شراؤها بهذا الدخل([1]).

ومن المعلوم جيداً أن التغذية المتوازنة والمتناسبة ضرورة لابد منها لزيادة قدرة الناس على العمل والإبداع. وإذا اعتبرنا أن وسطي عدد السعرات الحرارية اللازمة للفرد في سورية هي /2400/ حريرة

فإن الحصول على هذه الحريرات يتطلب من الفرد أن يتناول الوجبة الغذائية اليومية بالحد الأدنى المتواضع. وعليه أن تنفق على هذه الوجبة الكتلة النقدية المقررة بأسعار عام 1999 وحسب نشرة الوسطي السنوي لأسعار التجزئة عام 1999 المنشورة في المجموعة الإحصائية عام 2000.

الوجبة الأساسية للفرد الواحد على 2400 حريرة يومياً                         جدول رقم /1/

القيمة بأسعار 1999 ل.س

القيمة بأسعار 1987 ل.س([2])

السعرات الحرارية التي تعطيها المادة

الوزن

نوع المادة

3.75

1.5

1275

500غ

خبز

2.5

1.00

75

50غ

ببض عدد1

2.25

1.25

108

25غ

جبن

15.00

6.00

200

75غ

لحم

7.50

1.75

65

250غ

خضار مختلفة

4.00

2.00

60

200غ

فواكه

0.70

0.12

280

70غ

أرز

7.30

1.5

237

65غ

شاي زيتون

4.70

0.88

100

100غ

مواد مختلفة

48.00 ل.س

16.00

2400 حريرة

 

 

2 ـ 1 ـ لهذا فإن الحصول على السعرات اللازمة تتطلب من الفرد أن ينفق يومياً حوالي /48/ ل.س على المواد الغذائية عام 2001. وعليه فإن وسطي الأسرة السورية المكونة من 6، 5 أشخاص تحتاج يومياً 269 ل.س تقريباً و /8064/ل.س في الشهر. علماً أن نسبة الإنفاق على المواد الغذائية من إجمالي الإنفاق العام يعادل 59.8% على المواد الغذائية و40.2% على المواد غير الغذائية.

وبالتالي فإن وسطي الإنفاق على المواد غير الغذائية يعادل /5376/ل.س شهرياً بحيث يكون إجمالي إنفاق الأسرة على المواد الغذائية وغير الغذائية يعادل /13440/ل.س شهرياً.

2 ـ 2 ـ  وإذا اعتمدنا حد الإعالة /4.1/ فرد للأجر فإن وسطي تكاليف المعيشة للأسرة السورية للإنفاق على المواد الغذائية شهرياً يعادل /5904/ل.س وإجمالي الإنفاق الشهري على المواد غير الغذائية للأسرة السورية يعادل 3936 ل.س بحيث يكون متوسط إنفاق الأسرة السورية على السلع الغذائية وغير الغذائية شهرياً /9840/ ل.س فأي أجر أو دخل أسروي يستطيع تأمين المواد الغذائية وغير الغذائية.

الدراسة رقم 1

وسطي تكاليف المعيشة للأسرة السورية 2400 حريرة للفرد              جدول رقم /2/

وسطي إنفاق الأسرة درجة الإعالة 4.1 فرد

وسطي إنفاق الأسرة السورة 6، 5 فرد

النسبة من مجموع الانفاق

وسطي الإنفاق اليومي للفرد

متوسط الإنفاق الفردي الشهري

 

البيان

 

5904

 

8064

 

59.8%

 

48

 

1440

ـ إجمالي الإنفاق على المواد الغذائية باعتماد 2400 حريرة للفرد

3936

5376

40.2%

32

960

ـ إجمالي الإنفاق على المواد غير الغذائية

9840

13440

100%

80

2400

الإجمالي الشهري

2 ـ 3 ـ ولإجراء المقارنة نرى أن وسطي الإنفاق الفردي للمواد الغذائية الأساسية عام 1987 بلغ 16ل.س يومياً و480 ل.س شهرياً. في حين بلغ وسطي الإنفاق المبين في الجدول رقم /1/ 48ل.س يومياً عام 2001.

أي أن نفقات المعيشة للمواد الغذائية ازدادت 3 أضعاف عام 2001 قياساً لعام 1987 في حين ازدادت الرواتب والأجور وسطياً 1.5 مرة لذات الفترة.

2 ـ 4 ـ  وتبدو الصورة أكثر وضوحاً إذا حسبنا القوة الشرائية لأجر أدنى مرتبة وظيفية (المرتبة العاشرة / الدرجة الثالثة) من أهم السلع الغذائية وغير الغذائية.

ـ في نهاية عام 1985، بلغ وسطي الأجر الشهري لأدنى مرتبة وظيفية 725ل.س، وبلغ هذا الوسطي بعد زيادة الرواتب 1987 /1195/ل.س ويبلغ هذا الوسطي حالياً وبعد زيادة الرواتب والأجور الأخيرة بالمرسوم التشريعي رقم 36 تاريخ 26/8/2000 يعادل 3045 ل.س. أي أنه ازداد بنسبة 154% عام 2001 قياساً لعام 1987 في حين ازدادت نفقات المعيشة للمواد الغذائية بمعدل 300% لذات الفترة المذكورة كما هو مبين بالجدول رقم /2/ وبحيث تناقصت القوة الشرائية لهذا الأجر. وبمقارنة الكميات الممكن شراؤها من سلع ومواد مختلفة 1987 ـ 2001، يتبين نسبة الخسارة في القوة الشرائية للأجر بين عام 1987 ـ 2001 علماً أننا اعتمدنا وسطي أسعار عام 1999 وهي الأسعار الأخيرة

 

جدول رقم (3) جدول انخفاض القوة الشرائية الحقيقية للأجر 1987 ـ 2001

نسبة الخسارة أو الزيادة في القوة الشرائية للأجر من عام 87 ـ 2001

نسبة الكمية الممكن شراؤها عام 2001 مقارنة مع عام 1987

الكمية الممكن شراؤها بعد زيادة الرواتب 2001 بأسعار عام 1999

نسبة الخسارة في القوة الشرائية للأجر بين 85 ـ 87

نسبة الكمية الممكن شراؤها في عام 1987 مقارنة مع عام 1985

الكمية الممكن شراؤها بعد زيادة عام 1987

الكمية الممكن

شراؤها عام 1985

الوحدة

السلعة

- 15.5%

84.5%

10.15

37%

63%

12

19

كغ

لحم غنم هبرة

ـ

100%

15

45%

55%

15

27

كغ

لحم هبرة عجل

+ 5%

105%

40

27%

73%

38

52

كغ

فروج

+ 7%

108%

40.6

14%

86%

38

44

30بيضة

بيض كرتونة

- 4%

96%

305

34%

66%

318

483

1/2 كغ

حليب معقم/ زجاجة

-18%

82%

122

18%

82%

149

181

كغ

فول يابس

-38%

62%

87

23%

77%

140

181

كغ

عدس

-3%

97%

35.8

44%

56%

37

66

عبوة كغ

طحينة

+10%

110%

87

+19%

119%

79

66

ربطة

معكرونة وشعيرية

-34%

66%

87

17%

83%

133

161

كغ

حمص

-6%

94%

40.6

11%

89%

43

48

كغ

حلاوة

-27%

73%

108.7

38%

62%

149

242

كغ

سكر حر

-38%

62%

98.2

45%

55%

159

290

كغ

رز حر

-38%

62%

38

41%

59%

61

104

كغ

زيت نباتي

+10%

110%

13.2

64%

36%

12

33

كغ

قهوة حب

-64%

36%

16.9

27%

63%

47

76

كغ

شاي حر

+5%

105%

0.36

43%

57%

0.34

0.60

8 قدم

براد

-17%

83%

55

18%

82%

66

81

1.2كغ

منظف سار

-39%

61%

24.3

29%

71%

40

56

اسطوانة

غاز

-33%

67%

4.7

30%

70%

7

10

حذاء

أحذية رجالية

نوع أول

-37%

63%

41.7

18%

82%

66

91

كغ

صابون

-6%

94%

0.47

24%

76%

0.50

0.66

فرن

فرن غاز

+50%

150%

3

50%

50%

2

4

م2

سجاد صوفي

 


جدول رقم (7) توزيع العاملين في الدولة حسب فئات الرواتب مع وسطي تكاليف المعيشة

 

+ 8000

7001 ـ 8000 ل.س

6001 ـ 7000 ل.س

5001 ـ 6000 ل.س

4001 ـ 5000 ل.س

3000 ـ 4000 ل.س

أقل من 3000ل.س

الرواتب في 31/12/1998

 

+ 10000

8751 ـ 10000

7501 ـ 8750

6250 ـ 7500

5001 ـ 6250

3750 ـ 5000

3045 ـ 3750

الرواتب بعد الزيادة الخيرة

 

9660

9375

8125

6875

5625

4375

3390

وسطي رواتب العاملين بعد الزيادة الأخيرة

 

 

-180

 

-465

 

-1715

 

-2965

 

-4215

 

-5465

 

-6450

النقص في الإنفاق العام للأسرة (9840)ل.س

2400 حريرة ـ 4.1 فرد ـ إعالة

دراسة رقم (1)

 

+1070

+785

-465

-1715

-2965

-4215

-5200

النقص في الإنفاق العام (8590) ل.س. 4.1 فرد إعالة

دراسة رقم (1)

833981

2507

19952

70564

169480

199254

184463

187761

مجموع العاملين

100%

0.03

2.39%

8.46%

20.32%

23.89%

22.118%

22.51%

نسبة العاملين حسب الرتب

 

 

 

من الجدول رقم (3) يتبين ما يلي:

1 ـ انخفاض عام في القوة الشرائية للأجر عام 1987.

2 ـ انخفاض الكميات الممكن شراؤها وبعد احتساب زيادات الرواتب والأجور الأخيرة بالمرسوم التشريعي رقم 36 لعام 2000 قياساً للكميات الممكن شراؤها عام 1987 والجدول رقم /3/ يبين تفصيلاً نسبة الخسارة أو الزيادة في القوة الشرائية للأجر بين عام 1987 ـ 2001.

3 ـ وبشكل عام يمكن استقراء النتيجة الهامة:

إن القوة الشرائية الحقيقية لأجر أدنى مرتبة وظيفية عام 2001 وبعد زيادات الرواتب والأجور الأخيرة ـ (وبأسعار عام 1999 الوحيدة المتوفرة) ـ أقل من القوة الشرائية الحقيقية لعام 1987.

4 ـ إن زيادات الأسعار المتوالية الفعلية في السوق الداخلية وانخفاض القوة الشرائية الحقيقية من عام 1987 ولغاية 2001 في السوق الداخلية التي حاولت التصدي لمجموعة من الاختلالات والتشوهات في التوازنات والتناسبات الاجتماعية أدت فعلياً إلى تآكل القيمة الحقيقية للرواتب والأجور. الأمر الذي يدل بوضوح تام على المعاناة غير المحدودة لذوي الدخل المحدود بصورة خاصة.

وبالتالي فإن إعادة التقييم الصحيح اقتصادياً يتطلب الاقتراحات التالية:

أ ـ إعادة النظر بالسياسات السعرية والإجراءات الاقتصادية بشكل شامل وتعديل الرواتب والأجور وكمهمة سريعة (عناية مشددة) نقترح زيادة الرواتب والأجور بمعدل لا يقل عن 25% على الأقل.

ب ـ المهمة الاقتصادية الأساسية تتطلب دراسة الإجراءات الاقتصادية الضرورية لرفع القدرة الشرائية للعملة الوطنية كحاجة اقتصادية واجتماعية من خلال ربطها برفع الإنتاجية والطاقات المتاحة وتفعيل الاستثمار وتحديد التقانة وإعادة تنظيم الإدارة الإنتاجية وتحسين التسويق وإصلاح القطاع العام وتعزيز قدرات القطاع الخاص المنتج.

جـ ـ لم يعد ممكناً بحال من الأحوال تجاهل البحث الجدي في رسم سياسة ضريبية فعالة وإعداد السياسة النقدية والمالية الواضحة. حيث أن إصلاح النظام الضريبي والمصرفي سيؤدي بالطبع إلى الدفعات المطلوبة لتفعيل الاستثمار وتحسين شروط الإقراض المصرفي في التنمية الاقتصادية.

ثالثاً ـ وسطي تكاليف المعيشة:

استناداً إلى معطيات وإحصائيات المكتب المركزي للإحصاء يتبين باختصار ما يلي:

3 ـ 1 ـ بلغ إجمالي إنفاق الفرد على مستوى القطر 2095 ل.س شهرياً. منها 1253 ل.س على السلع الغذائية أي ما نسبته 59.8% من إجمالي الإنفاق الشهري. و 842 ليرة سورية على السلع غير الغذائية والخدمات المختلفة أي بنسبة 40.2% من إجمالي الإنفاق الفردي الشهري.

3 ـ 2 ـ بلغ متوسط دخل الفرد الشهري /2077/ل.س على مستوى القطر وذلك بموجب أرقام دراسة المكتب المركزي للإحصاء.

أ ـ وتجدر الإشارة أن زمرة الإنفاق على اللحوم والأسماك والبيض تحتل المرتبة الأولى في سلم أولويات إنفاق الفرد من مجموع إنفاقه حيث تشكل 11.6%. لما لهذه المنتجات من أهمية بكونها غنية بالبروتينات اللازمة لبناء وترميم جسم الإنسان.

ـ وقد جاء في المرتبة الثانية زمرة الخضراوات حيث بلغ نسبة إنفاق الفرد على هذه الزمرة 9.7%. تليها الحبوب ومشتقاتها حيث احتلت المرتبة الثالثة وبلغت نسبة إنفاق الفرد على هذه الزمرة 9.4%.

ب ـ أما نسبة إنفاق الفرد على الملابس الجاهزة فقد احتلت المرتبة الرابعة حيث بلغت 7.2%. تليها زمرة الإنفاق على الزيوت النباتية حيث بلغت نسبتها 6.7% وكما هو مبين تفصيلاً بالجدول رقم (5) والجدول رقم (6).

3 ـ 3 ـ ونشير هنا باختصار شديد إلى الأرقام المتواضعة للمكتب المركزي للإحصاء المبينة لمتوسط استهلاك الفرد الشهري للفواكه مثلاً. حيث نرى أن استهلاك الفرد من الدراق 12 غرام شهرياً. ومن الرمان 97 غرام. والمشمش 19 غرام ومن الكرز 44 غرام. والخوخ 21 غرام. والتين 81 غرام واليوسفي 62 غرام.

وبالحقيقة ومع تقديرنا للجهود المبذولة فإن هذه الأوزان الدقيقة نراها في سوق الذهب لا في سوق الهال أو في سوق الخضار والفواكه.

 

الدراسة رقم «2»

جدول رقم (4) متوسط الإنفاق الفردي ووسطي تكاليف المعيشة للأسرة السورية

وسطي إنفاق الأسرة درجة الإعالة 4.1 فرد

وسطي إنفاق الأسرة السورية 5.6فرد

ل.س

النسبة

من مجموع الإنفاق

وسطي الإنفاق اليومي للفرد

ل.س

متوسط الإنفاق الفردي الشهري

ل.س

 

 

الـبـيــان

 

5138

3452

 

7017

4715

 

59.8%

40.2%

 

42

28

 

1253

842

ـ إجمالي الإنفاق على المواد الغذائية بموجب الجداول       لمتوسط

ـ إجمالي الإنفاق على المواد غير الغذائية

8590

11732

100%

70

2095

الإجمالي الشهري

 


جدول رقم (5) متوسط ونسبة إنفاق الفرد الشهري على السلع الغذائية

(حضر ـ ريف) بالليرات السورية

النسبة من

مجموع الإنفاق

النسبة من السلع الغذائية

مجموع

ريف

حضر

السلع

9.4

15.6

195

213

177

الحبوب ومشتقاتها

0.9

1.5

19

21

18

بقول جافة

11.6

19.5

244

200

286

اللحوم والأسماك والبيض

5

8.4

105

87

122

الألبان ومنتجاتها

6.7

11.2

141

155

127

الزيوت والنباتية

9.7

16.3

204

196

212

الخضروات

4.1

6.8

85

66

104

الفواكه والمكسرات

3,3

5,5

69

78

60

السكر والمنتجات السكرية

3.2

5.3

67

46

88

مواد غذائية أخرى

2.8

4.7

59

64

55

المشروبات والمرطبات

3.1

5.2

65

58

73

تبغ ومكيفات أخرى

59.8

100

1253

1184

1322

المجموع

جدول رقم (6) متوسط ونسبة إنفاق الفرد الشهري على السلع الغذائية

(حضر ـ ريف) بالليرات السورية

النسبة من

مجموع الإنفاق

النسبة من السلع الغذائية

مجموع

ريف

حضر

السلع

7.2

17.9

151

143

160

الملابس الجاهزة

1.3

3,3

28

30

25

أقمشة ملابس

2.3

5.7

48

46

51

الأحذية

2,2

5.6

47

58

38

نفقات المسكن وملحقاته

5.8

14.4

121

117

124

الوقود والإضاءة والمياه

3.7

9.3

78

83

73

تجهيزات منزلية

2.5

6.2

52

47

56

مواد نظافة منزلية

3.9

9.6

81

71

92

النقل والمواصلات

0.8

2.0

17

13

21

تعليم وتدريب

3.8

9.5

80

71

88

نفقات طبية

0.6

1.4

12

9

15

نفقات ثقافية ترفيهية رياضية

0.8

1.9

16

11

20

نفقات عناية شخصية

5.3

13.2

111

85

139

نفقات أخرى غير ما ذكر

40.2

100

842

784

902

المجموع

رابعاً ـ الرواتب والأجور وتكاليف المعيشة:

4 ـ 1 ـ لقد عملت سياسة تحطيم الرواتب والأجور عملها في تحفيز وتبرير جميع أشكال الانحلال البيروقراطي والفساد الإداري وذلك لتغطى هذه الممارسات اليومية على الأنواع الأخطر من الفساد الاقتصادي التي تفرط بالمصالح العامة.

أ ـ من ناحية أخرى فقد انصبت اتجاهات الموازنة العامة للدولة منذ بداية الثمانينات على زيادة الإيرادات وتخفيض الإنفاق دون دراسة علمية لآثار بعض النتائج الوخيمة الناجمة.. وانصب تخفيض الإنفاق بالدرجة الأولى على تجميد الرواتب والأجور وتخفيض الإنفاق الفعلي الموجه للاستثمار، أو ضرورة إعادة تجديد واستبدال التقنية المستهلكة..

هذا كله أدى إلى تفاقم الأوضاع المعيشية لفئات محدودة الدخل وزيادة العاطلين عن العمل وإلى عدم تحقيق الطاقات الإنتاجية المتاحة.

ب ـ لقد كانت آخر زيادة للرواتب والأجور عام 1994 وقد استعيدت فوراً برفع أسعار المحروقات وتقليص الدعم وليستمر أصحاب الدخل المحدود سبع سنوات بعدها يدفعون ثمن التضخم وانخفاض القوة الشرائية دون أي تعويض..

فهل حققت زيادة الرواتب والأجور الأخيرة بالمرسوم التشريعي رقم 36 تاريخ 26/8/2000 الموازنة الصحيحة للدخل والإنفاق؟.

بالطبع لا فالأرقام لغة الحقيقة. وبنظرة سريعة للجدول رقم (7) والجدول رقم (8) نرى ما يلي:

جـ ـ الجدول رقم (7) يبين توزيع العاملين في الدولة حسب فئات الرواتب وذلك في 31/12/1998. وبعد الزيادة المقررة في المرسوم التشريعي رقم 36 لعام 2000.

ويعرض الجدول العجز الناجم بين وسطي الإنفاق العام للأسرة ووسطي أجور العاملين في الدولة بعد الزيادة الأخيرة.

د ـ الوسطي الحسابي المثقل لرواتب العاملين في الدولة بعد زيادة الراتب الأخيرة يعادل 5321 ل.س تقريباً.

هـ ـ وسطي الإنفاق العام للأسرة باعتماد 2400 حريرة للفرد واعتماد 4.1 فرد/أجر كدرجة الإعالة يعادل /9840/ ليرة شهرياً (الدراسة رقم 1).

و ـ وسطي الإنفاق العام للأسرة للأرقام الإحصائية الرسمية للدولة يعادل /8590/ ل.س للمواد الغذائية وغير الغذائية. (الدراسة رقم 2).

ز ـ بمقارنة وسطي تكاليف المعيشة للأسرة السورية المؤلفة من 5.6 فرد باعتماد 2400 حريرة للفرد والبالغة /13440/ ل.س شهرياً (الدراسة رقم 1) أو باعتماد وسطي تكاليف المعيشة بالدراسة رقم (2) والبالغة /11732/ل.س شهرياً نرى أن كل أجور فئات العاملين في الدولة لا يغطي وسطي تكاليف المعيشة.

4 ـ 2 ـ إذا اعتمدنا درجة الإعالة 4.1 فرد/أجر بالجداول رقم 6 ـ 7  ولميزانية وسطي إنفاق الأسرة السورية البالغة /9840/ ل.س. نرى أيضاً النقص والعجز في كافة رواتب العاملين في الدولة.

أ ـ وإذا حسبنا وسطي إنفاق الأسرة الشهري على المواد الغذائية فقط والبالغة /5904/ل.س شهرياً بالجدول رقم (7)  نرى مقدار العجز الناجم تفصيلاً ولكافة فئات العاملين في الدولة.

ب ـ وإذا اعتمدنا جدلاً درجة الإعالة 4.1 فرد بالدراسة رقم (2) باعتماد أرقام وبيانات الدولة الإحصائية نجد أن وسطي إنفاق الأسرة الشهري بلغ /8590/ ل.س.

وهذا يعني أن 96% تقريباً من فئات العاملين في الدولة لا تغطي رواتبهم وسطي تكاليف المعيشة.

وبغض النظر عن مناقشة تواضع الأرقام الرسمية.

وباختصار نصل إلى النتائج التالية:

1 ـ إن أجور كافة العاملين في الدولة في وضع غير صحيح إطلاقاً.

2 ـ إن 68% من العاملين في الدولة لا تغطي أجورهم وسطي تكاليف الإنفاق على المواد الغذائية فقط. والبالغة /5904/ ل.س شهرياً (جدول رقم 2). علماً أن وسطي رواتب العاملين في الدولة وبعد زيادات الرواتب الأخيرة يعادل /5321/ ل.س شهرياً. ومع الإشارة الهامة إلى اعتماد درجة الإعالة 4.1 فرد للأسرة بدلاً من 5.6 فرد.

4 ـ 3 ـ ولهذا فإن الأجور المنخفضة تعتبر مشكلة أساسية في القطر، ورفعها يحتاج إلى روافع اقتصادية لزيادة الاستثمار والإنتاجية. وهذه إحدى المهمات الرئيسية للدولة مع الأخذ بعين الاعتبار مهمة رفع القدرة الشرائية وتوفير فرص عمل حقيقية لتخفيف البطالة.

إن الفجوة الناجمة أيضاً من مداخيل القطاع العام والخاص هي فجوة مضرة للغاية وهي أيضاً من أهم مصادر الرشوة والفساد في البلد.

ولا بد من زيادة مستوى الأداء والوصول تدريجياً إلى مستوى رواتب مقنع في أجهزة الدولة ومعاملها ولا يبتعد كثيراً عن مستوى الدخل لمن يعمل في القطاع الخاص أو المشترك.



جدول رقم (8) النقص والعجز في تكاليف المعيشة لكافة فئات الرواتب

النقص في تغطية المواد الغذائية فقط للأسرة /5904/ل.س 2400 حريرة للفرد ـ 4.1 درجة الإعالة

النقص والعجز في الإنفاق الشهري /9840/ ل.س

2400 حريرة فرد ـ 4.1 إعالة فرد

 

الرواتب بعد الزيادة الأخيرة 2001

 

الرواتب لعام 1994

 

الرواتب لعام 1991

 

 

 

فئات الرواتب

 

180

9660

7705

5925

ممتازة

ممتازة

 

396

9444

7555

5810

1

ممتازة

 

731

9019

7215

5550

2

 

1234

8606

6885

5495

3

 

1652

8188

6550

5035

1

الأولى

 

2059

7781

6225

4785

2

 

2584

7256

5805

4465

3

 

2177

7663

5410

4160

1

الثانية

 

3352

6488

5190

3990

2

 

3597

6243

4995

3840

3

 

3846

5994

4795

3685

1

الثالثة

191

4127

5713

4570

3515

2

473

4409

5432

4345

3340

3

635

4571

5269

4215

3240

1

الرابعة

829

4765

5075

4060

3120

2

985

4921

4919

3935

3025

3

1173

5109

4731

3785

2910

1

الخامسة

1335

5271

4569

3655

2810

2

1529

5465

4375

3500

2690

1

السادسة

1660

5596

4244

3395

2610

2

1798

5734

4106

3285

2525

3

النقص في تغطية المواد الغذائية فقط للأسرة /5904/ل.س 2400 حريرة للفرد ـ 4.1 درجة الإعالة

النقص والعجز في الإنفاق الشهري /9840/ ل.س

2400 حريرة فرد ـ 4.1 إعالة فرد

 

الرواتب بعد الزيادة الأخيرة 2001

 

الرواتب لعام 1994

 

الرواتب لعام 1991

 

 

 

فئات الرواتب

1960

5896

3944

3155

2425

1

السابعة

2010

5734

3894

3115

2395

2

2104

6040

3800

3040

2335

3

2166

6102

3738

2990

2300

1

الثامنة

2223

6159

3681

2945

2265

2

2342

6278

3562

2850

2190

3

2410

6346

3494

2795

2150

1

التاسعة

2510

6446

3394

2715

2085

2

2579

6515

3325

2660

2045

3

2673

6609

3231

2585

1985

1

العاشرة

2735

6671

3169

2535

1950

2

2860

6796

3044

2435

1870

3

 

4 ـ 4 ـ ولنبحث سريعاً في القرار /3685/ والمتضمن تعديل أجور العاملين في الدولة وفقاُ للزيادة المقررة في المرسوم التشريعي رقم (36) تاريخ 26/8/2000:

رواتب الفئة الأولى (بدء التعيين) بعد زيادات الرواتب والأجور الأخيرة:

1 ـ شهادة دكتوراه في جميع الاختصاصات            5270 ليرة سورية

2 ـ شهادة ماجستير في جميع الاختصاصات           4920 ليرة سورية

3 ـ شهادة دبلوم دراسات عليا بعد الإجازة                       4735 ليرة سورية

4 ـ شهادة الإجازة في الطب البشري                            4920 ليرة سورية

5 ـ شهادة الإجازة (دراسة خمس سنوات بعد الثانوية) 4735 ليرة سورية

6 ـ شهادة الإجازة (دراسة أربع سنوات بعد الثانوية)  4510 ليرة سورية

أ ـ ولنقارن رواتب الفئة الأولى الذين يحملون الشهادات العليا بوسطي تكاليف المعيشة للأسرة السورية وبالحد الأدنى الناتجة في الجدول رقم (2 ـ 4) (الدراسة الأولى والثانية) نرى أن راتب حملة الدكتوراه في جميع الاختصاصات /5270/ل.س وبعد الزيادة. في حين وسطي إنفاق الأسرة السورية باعتماد 2400 حريرة للفرد وللأسرة المؤلفة من 4.1 فرد فقط هو /9840/ ليرة سورية.

ـ بمعنى آخر أن حامل شهادة الدكتوراه الذي أمضى أكثر من عشرين عاماً بالدراسة والعلم والتحصيل هو في عجز شهري يعادل (-4570) ل.س والمأساة تكمن أيضاً أن إجمالي الإنفاق على المواد الغذائية الضرورية فقط للأسرة يعادل /5904/ ل.س أكبر من راتب حملة الدكتوراه البالغ /5270/ ل.س وبمبلغ /634/ ل.س؟ ! .

ب ـ ولنترك جدلاً جداول وتحليل نقص القوة الشرائية للرواتب والأجور المبينة بالدراسة تفصيلاً. ولندع أيضاً دراسة السعرات الحرارية اللازمة للفرد، وبالحد الأدنى، وبأسرة وسطية 4.1 فرد/أجر علماً أن وسطي الأسرة السورية 5.6 فرد.

ولنترك أيضاً كل الجداول والأرقام. ولنأخذ فقط أرقام وإحصائيات الدولة المعلنة. فماذا نرى ببساطة:

1 ـ بالجدول رقم (4) الدراسة رقم (2) نرى تفصيلاً أن متوسط إنفاق الفرد الشهري هو:

1253 مواد غذائية + 842 مواد غير غذائية = 2095 ل.س للفرد شهرياً

وسطي إنفاق الأسرة 4.1 فرد

وسطي إنفاق الأسرة 5.6 فرد

 

5138

7017 ل.س

إجمالي الإنفاق على المواد الغذائية

3452

4715 ل.س

إجمالي الإنفاق على المواد غير الغذائية

8590

11732

 

2 ـ ومنه نصل إلى نتيجة هامة بأن العجز الناجم لوسطي تكاليف المعيشة لحملة الدكتوراه وبالحد الأدنى، وبأسرة وسطية 4.1 فرد يعادل /3320/ ل.س. وأنه بالكاد يستطيع أن يسد رمق أسرته من المواد الغذائية فقط مع الإشارة إلى اعتماد /42/ ل.س فقط للفرد يومياً من المواد الغذائية فقط.

خامساً ـ ضريبة الرواتب والأجور:

5 ـ 1 ـ ورد في الواردات التقديرية في الميزانية الموحدة لعام 1999 أن إيرادات ضريبة دخل الرواتب والأجور بلغت /5.200/ مليار ليرة سورية. وهي تعادل حوالي 11% رواتب وأجور الدخل المحدود.

إن نسبة إيرادات هذه الضريبة قياساً للمجموع العام للواردات التقديرية في الموازنة الموحدة لعام 1999 البالغة /255.300/ مليار ليرة سورية يعادل 2.03% وانطلاقاً من دراسة وسطي تكاليف المعيشة للأسرة السورية وحالة (مقص الأسعار) بين الدخل والنفقات فقد بات ملحاً تصحيح هذا الموضوع بالسرعة القصوى. بل من المخجل والمعيب حقاً أن نرى في ظل أعباء تكاليف المعيشة التي أصابت أصحاب الدخل المحدود أن يكون إعفاء ضريبة دخل الرواتب والأجور يعادل 100 ل.س فقط.

5 ـ 2 ـ ولهذا فإننا نرى وجوب إعادة النظر بضريبة الدخل لتحقيق العدالة بحيث يعفى كافة فئات العاملين في الدولة من هذه الضريبة، حيث أن وسطي رواتب العاملين في الدولة من هذه الضريبة وبعد زيادة الرواتب الأخيرة يعادل /5321/ ل.س وهو بالكاد يساوي نفقات وسطي تكاليف المواد الغذائية فقط وكما هو موضح تفصيلاً بالدراسة. مع الإشارة إلى أن الجداول المرفقة رقم 6 ـ 7 تبين بوضوح العجز الناجم لكل فئات العاملين في الدولة سواء لوسطي إجمالي تكاليف المعيشة أو لوسطي تكاليف المواد الغذائية الضرورية.

وفي كل الأحوال يجب ألا يقل الإعفاء الضريبي للرواتب والأجور عن /5000/ ليرة سورية.

5ـ 3 ـ والمسألة الجدية التي تحتاج إلى دراسات وبحوث عديدة هي تحديث النظام الضريبي والمالي بشكل شامل. ونرى أن تحديث هذا النظام سيلعب دوراً بارزاً في الحياة الاقتصادية والاجتماعية، وتحقيق أهداف الدولة وخططها الطموحة في التطوير وبلوغ مرحلة متقدمة من النمو الاقتصادي والاجتماعي.

إن دراسة إمكانية اعتماد (ضريبة القيمة المضافة) مثلاً وهي الضريبة التي تفرض على كافة السلع والخدمات، أي مجموع ما ينفقه الشخص على السلع والخدمات الاستهلاكية. وقد باتت هذه الضريبة تشكل القسم الأكبر من المتحصلات الضريبية في الدول المتقدمة والنامية على حد سواء كما في المغرب وتونس والأردن. ويمكن لهذه الضريبة أن تؤمن زيادة في موارد الخزينة وذلك لأنها في الواقع ضريبة على أوجه استعمالات الدخل وبالتالي فهي تعوض نقص الضريبة على الدخل، كما أنها تزيد من الادخار والاستثمار وتعمل على زيادة الحد من الاستهلاك.

سادساً ـ ماهية الإصلاح الاقتصادي والأسعار:

6 ـ 1 ـ لقد تبنت سورية التعددية الاقتصادية بغية تعبئة جميع الموارد البشرية والمالية المتاحة لما فيه استنهاض الإمكانات الاقتصادية والاجتماعية لخدمة عملية التنمية الوطنية والاعتماد على الذات.

لقد بدأ القطر عملياً يتحول باسم التعددية الاقتصادية وبشكل تدريجي في سياسته الاقتصادية نحو توسيع مجالات وأنشطة القطاع الخاص والمشترك في كافة المجالات. ومن التخطيط المركزي إلى اقتصاد السوق.. ومن نظام الإدارة بالأوامر إلى نظام الإدارة بالأهداف.

أ ـ إن التناقض الأساسي الذي أراه أن السياسات الاقتصادية وخلال عقود ثلاث تقريباً كانت موجهة (شكليا) نحو دعم القطاع العام وإهمال القطاع الخاص. وهذا غير صحيح بالطبع.

ويحدث الآن ـ شكلياً ـ أيضاً العكس تماماً.

إن ضرورة إصلاح القطاع العام في سوريا الذي يمثل قاطرة التنمية الاقتصادية والاجتماعية لا تتمثل بالاعتبارات الداخلية بانخفاض أداء هذا القطاع وخسارته، وانخفاض مستوى أجور العاملين فحسب، بل يستدعيها التحول النوعي الاقتصادي العالمي في مرحلة عولمة الاقتصاد وتحرير الأسواق وانفتاحها المتوقع القريب. . .

لكن التجربة العملية تؤكد على دور القطاع العام وأهميته وخاصة في مرحلة الكساد الاقتصادي، ودوره الفعال كقاطرة لجر الاقتصاد من مستنقع الكساد.

ب ـ لقد كانت عمليات النهب المنظمة والمتتابعة والتفشيل والاختراقات المتشابكة الداخلية في جسم القطاع العام أقوى وأخطر وأشد من الاختراقات الخارجية. لقد بات من السهل تصنع الحكمة الزائفة والصمت عن العبث اللامسؤول داخل مؤسسات وشركات القطاع العام وإدارته. وإذا كانت خصخصة القطاع العام غير مطروحة الآن ـ كما يقولون ـ. لكن الصمت عن استباحة دم القطاع العام من قبل البيروقراطية المخربة، وبيروقراطية السلطة، والفئات الطفيلية المستفيدة لا يقل خطورة عن خصخصة وتصفية القطاع العام.  لأن القطاع العام ببساطة هو ملك المواطنين وتحديداً لأصحاب الدخل المنخفض والمحدود.

جـ ـ ويجب أن نعترف أيضاً بأن الدولة بوظيفتها الاقتصادية التي كانت تدير بشكل (مشوه) آلاف الأنشطة الاقتصادية أخفقت في تحسين المستوى المعيشي للمواطنين وخاصة لذوي الدخل المحدود.

6 ـ 2 ـ لقد ارتفعت تحت شعار الإصلاح الاقتصادي أصوات بعض الخبراء الاقتصاديين ورجال الأعمال مطالبة بتطبيق سياسة أخرى على النحو الذي يخلص النظام الاقتصادي من البيروقراطية والطفيلية والفساد، ويخرج البلاد من الأزمة الاقتصادية المستفحلة.

وفي الوقت الذي تم تأكيد ونفي مفهوم الخصخصة من قبل جهات مسؤولة في بعدها النظري والعملي واقتراح مرونة إدارة بعض مؤسسات القطاع العام مع احتفاظ الدولة بملكيتها، أو تحويل بعض مؤسسات القطاع العام إلى شركات مساهمة، من خلال بيع بعض أسهمها للعاملين في المؤسسة أو للجمهور أو كلاهما معاً، أو عقود تأجير بعض المؤسسات العامة بعقود امتياز أو تأجير.

وفي كل الأحوال في عملية التحدث عن الإصلاح الاقتصادي يجب البحث أولاً في بنية النظام الاقتصادي وفي الخطوط العامة التي تحكم تطور الاقتصاد الوطني في النظرية والتطبيق.

أ ـ   لقد اتفق علماء الاقتصاد مثلاً أن موضوع ماهية (التخلف) في البلدان النامية ليس مرده تخلف قطاع الصناعة أو التعليم أو الخدمات أو الإدارة. . . مثلاً. بل أنه تخلف (بنيوي) يشمل كافة مجالات النشاط الاقتصادي والإداري. . .

لقد أفرز النظام الاقتصادي شبه الريعي سلبيات خطيرة فقد أتاح عبر المدخلات الخارجية موارد للتمويل تسمح بإنفاق داخلي كبير وهذا رفع مؤشر الأسعار بشكل عام. ورفع سعر السلع غير القابلة للتداول الدولي أو للتصدير كالعقارات مثلاً. وإلى ارتفاع كلفة السلع الذي أفقدها القدرة على مزاحمة السلع الأجنبية المشابهة وهذا قاد إلى ازدياد حجم الواردات من الخارج وزيادة حصتها في الاستهلاك المحلي.

ب ـ ومن المعروف عن التضخم أنه يعيد توزيع الدخل لصالح الفئات الأغنى والأقدر على التحكم في قوى السوق. لقد ارتفع التضخم من 30% في الفترة 1979 ـ 1982 إلى 100%، الفترة 1986 ـ 1987 نتيجة عجز ميزان المدفوعات ونقص العملات الأجنبية وهروب الرساميل والاقتراض من الخارج لتمويل العجز في الموازنة وإلى أزمة القطع الأجنبي وفقدان الكثير من المواد الأولية للمعامل المنتجة… كل ذلك أسهم بالطبع بإضعاف القدرات الإنتاجية المتاحة وقدرتها على التصدير. ورفعت أسعار السلع المحلية وأضعفت قدرتها على المنافسة حتى في السوق الداخلية. ونشير هنا بشكل موجز إلى التناقض السابق في أسعار الغزول القطنية محلياً وأسعارها عالمياً مثلاً.

6 ـ 3 ـ وفي كل الأحوال فإن عملية الانتقال إلى مفهوم اقتصاد السوق السائد حالياً يتطلب تماماً وجود قطاع خاص قادر ومستعد للنهوض بالمسؤوليات التي يتطلبها برنامج الإصلاح والنمو الاقتصادي من دفع الضرائب الحقيقية المترتبة عليه، وعدم الاستعجال في جني الثروة بطرق غير مشروعة.

أ ـ وفي ظل آليات اقتصاد السوق ستأخذ أسعار السلع والخدمات تتشكل تحت تأثير تفاعل قوى العرض والطلب. والأسعار كما نعلم تعبرّ عن الندرة النسبية للسلع وعناصر الإنتاج التي تنتقل من قطاع لآخر تبعاً لمعدلات الربح.

وفي الوقت الذي تعكس فيه السلع الاستهلاكية طلب المستهلكين فإن السلع الإنتاجية تعكس الطلب المشتق من طلب المستهلكين. وفي المحصلة يستهدف اقتصاد السوق تعظيم المكاسب من عناصر الإنتاج وموارد الثروة.

هذه الشروط الاقتصادية أراها غير متوفرة في ظروفنا الاقتصادية الحالية والتي ارتبطت فيها مفاهيم السلطة والثروة بكيان واحد.؟!

ب ـ ومع ذلك، فإن آليات السوق لا يلغي إطلاقاً وظيفة الدولة كما يشاع، فتدخل الدولة في الحياة الاقتصادية، وخاصة في ظروف تطور البلدان النامية هي سمة من سمات الاقتصاد المعاصر الذي تكون فيه بعض وسائل الإنتاج مملوكة للأفراد والشركات. والمنظم الفرد هو الذي يتحمل مخاطر الإنتاج بما ينطوي عليه من ربح أو خسارة. بينما تتولى الدولة في ظل آليات اقتصاد السوق بعض الوظائف الأساسية التالية:

1 ـ التحكم بالسياسات المالية والنقدية لتبقى تحت السيطرة، من أجل تخفيض مستويات البطالة والحد من تقلبات الأسعار بهدف استقرار ومرونة السوق، سواء بالنسبة لأسعار السلع والخدمات الأساسية أو أسعار الصرف بالإضافة إلى تأمين التوازن في ميزان المدفوعات.

2 ـ تشديد الرقابة على الاحتكارات والحيلولة دون قيام اتفاقات غير مشروعة بين أرباب العمل لاستغلال السوق بطرق احتكارية أو شبه احتكارية.

وهنا يكون الهدف الاقتصادي الأساسي للدولة هو توفير المادة وتأمين المنافسة الاقتصادية الفعلية المشروعة.

3 ـ التوفيق بين المنفعة الخاصة والمصلحة العامة عن طريق الضرائب والإعانات الاجتماعية، وإعادة توزيع الدخل القومي في صالح الفئات الكادحة وذوي الدخل المحدود من خلال تطبيق نظام ضريبي صارم وعادل تتحمله الفئات الغنية لصالح الفئات محدودة الدخل. بالإضافة إلى توجيه الإنفاق العام لصالح الفئات التي تستحقه وأن تأخذ الدولة دوراً حقيقياً في ضبط آليات اقتصاد السوق.

4 ـ الوظيفة الأساسية للدولة في الوقت الحاضر تكمن في وظيفة الإسهام المباشر النوعي في المجالات الإنتاجية، واتخاذ الإجراءات الاقتصادية لروافع النمو والاستثمار الاقتصادي والنوعي. واستغلال الطاقات المتاحة وتخفيض الهدر المتعدد الجوانب. وقبل كل شيء تطبيق مفاهيم الإدارة الحديثة عن طريق نظام محاسبة المسؤولية وتقييم الأداء.

5 ـ وأخيراً وظيفة الدولة الأهم أيضاً حماية المصالح الاقتصادية للفئات الشعبية الكادحة التي تصنع القيمة وحماية فئات ذوي الدخل المحدود.

ويجب أن يقابل توزيع العمالة المنتظم تحسين للأجور. وهذا كفيل بدوره لتحريك السوق وتفعيله والحد جزئياً من الركود الاقتصادي.

إن الإصلاح الاقتصادي المطلوب يعني رقع مستوى الأداء الاقتصادي بالطبع.

سابعاً ـ الأرقام القياسية للأسعار:

في مقارنة الأرقام القياسية لأسعار التجزئة في القطر العربي السوري خلال الفترة 1994 ـ 1999 وباعتماد عام 1990 = 100 كسنة أساس.

ومقارنة أسعار الجملة خلال الفترة 1996 ـ 1999 يتبين الأمور التالية:

1 ـ إن معظم أسعار الجملة أخذت من القطاع العام؟ ونشير أولاً إلى أن التجربة العملية تؤكد أن نشرات الأسعار الصادرة عن الجهات الرسمية المتعددة أقل بكثير من مستوى الأسعار الحقيقية السائدة فعلياً في السوق الداخلية. ولو أخذنا الأسعار الحقيقية لكانت الأرقام القياسية الحقيقية للأسعار أعلى من الأرقام الرسمية المنشورة من الجهات ذات العلاقة.

2 ـ من الجدول يتبين أن الرقم القياسي العام لأسعار التجزئة ارتفع عام 1999 بمعدل 84% قياساً لعام 1990 وارتفع عام 1999 بمعدل 30% قياساً لعام 1994.

3 ـ من الجدول يتبين ارتفاع الرقم القياسي لأسعار الجملة (لاسبيرز) عام 1999 بمعدل 62% قياساً لعام 1990 في حين ارتفع الرقم القياسي لسعر الجملة بمعادلة (باش)* إلى 60% عن الفترة ذاتها.

ـ والملاحظ ارتفاع الرقم القياسي لأسعار المفرق عام 1996 ـ 1997 ـ 1998 ـ على التوالي 185 ـ 189 ـ 188، في حين نرى الرقم القياسي لسعر الجملة للسنوات المذكورة ينخفض؟.

جدول رقم (9) الأرقام القياسية لأسعار الجملة والتجزئة في القطر العربي السوري

(1990 = 100)

1999

1998

1997

1996

1995

1994

1990

البيان

 

184

 

188

 

189

 

185

 

170

 

154

 

100

1 ـ الرقم القياسي العام لأسعار التجزئة في القطر

1990 = 100

 

162

 

166

 

167

 

167

 

 

 

100

2 ـ الرقم القياسي لسعر الجملة (لاسبيرز(*))

1990 = 100

 

160

 

163

 

164

 

160

 

 

 

100

3 ـ الرقم القياسي العام لسعر الجملة /باش(*)/

1990 = 100

ثامناً ـ الأسعار الإدارية والقطاع العام:

آ ـ التجربة العملية لسلسلة من دراساتنا الاقتصادية التي شملت مختلف النشاطات الاقتصادية في القطر تؤكد أن مؤشرات التكاليف الفعلية في الشركات المنتجة والتسويقية تمثل منحنيات سلبية حادة وغير طبيعية نتيجة الهدر المتعدد الجوانب وعدم استغلال الطاقات الإنتاجية المتاحة.

ولا يمكن بل ولا يجوز أن تتحمل الأسعار كل السلبيات الناجمة عن ظروف غير إنتاجية أو طبيعية كما أن اعتماد التكاليف الفعلية في هذه الشركات يتناقض كلياً مع مفهوم تشكل الأسعار المستندة إلى الكلفة الاجتماعية الضرورية، مع الإشارة إلى أن ارتفاع منحنيات الهدر في كثير من الشركات يؤدي بالطبع إلى خلل مباشر في ميكانيكية السوق الداخلية لإشباع حاجة الطلب، إضافة إلى أن  اعتماد المشاريع الإنتاجية المستهلكة لهذه المواد في ضوء التكاليف والأسعار غير الطبيعية يؤدي إلى اختناقات واستنفاذ الجزء الأعظم من الاعتمادات والموارد المخصصة.

ب ـ ونتيجة إلى ارتفاع نسب الهدر وعدم استغلال الطاقات المتاحة نصل إلى النتيجة الأساسية التالية: إن المهمة الأساسية للأسعار (وإن كان بعضها احتكارياً أو في يد الدولة) ـ ليست تغطية كل المآسي الإنتاجية والفنية، كما لا يجوز أن تكون الأسعار دائماً الحماية الوحيدة فقط للصناعة المحلية حيث أن بعض الوظائف الأساسية لعملية تخطيط الأسعار:

1 ـ تخفيض الكلفة الاجتماعية الضرورية على أساس النمو السريع لقوى الإنتاج والارتفاع المستمر لإنتاجية العمل.

2 ـ تحفيز الإنتاج وتحسينه كماً ونوعاً، وتوزيع وإعادة توزيع الدخل القومي.

3 ـ التقويم الصحيح لنشاطات الشركات المنتجة وتحفيزها بشكل أساسي بأن تكون طبيعة الأسعار المحققة ناجمة أصلاً من عوامل اقتصادية حقيقية كزيادة نسب الانتفاع من الطاقة وتخفيض نسب الهدر واستغلال الطاقات المتاحة.

8 ـ 1 ـ إن ريعية المشاريع الاقتصادية يجب أن تكون مخططة بشكل يسمح بتحقيق الربح المطلوب وتغطية جميع نفقات الإنتاج وإعادة تجديده، عند دراسة المؤشرات الاقتصادية والإحصائية لتقييم الأداء في المشاريع المتماثلة ومن أجل تحفيز المشاريع الاقتصادية على الإقلال م الهدر في النفقات الإدارية والتسويقية مثلاً نرى استبعاد هذه النفقات عند احتساب هامش الربح المحقق لحث المنشأة على تخفيض نفقاتها الإدارية بهدف توفير معدلات أرباح صافية أعلى.

ونشير هنا إلى أثر الهدر الكبير في غياب الدراسات المطلوبة عن مرونة الطلب في أغلب شركات القطاع العام والأسعار تتغير ليس مع تغير الطلب وإنما مع تغير النفقة التي لا تستند إلى معدلات نمطية مخططة لمستوى النفقة المتوسطة ولمستوى محدد من العرض (الإنتاج) ضمن حاجة الطلب.

8 ـ 2 ـ إن توضع أسعار الجملة في القطاع العام والخاص في القطر يتم بشكل ميكانيكي من التكلفة الإجمالية إضافة لمعدل الربح الذي لا يخطط بشكل علمي وإنما يتشكل بأشكال مختلف، ولكل مشروع على حدة.

في مشروع ما ينسب الربح الصافي لمجمل رأس المال المستثمر في مشروع آخر للتكاليف الإجمالية وهذا يعني أنه كلما ازدادت تكاليف شراء المواد الأولية والأساسية ومستوى التكلفة الأصلية بشكل إجمالي كلما ازدادت كتلة ربح المشاريع، وهذا ما يشجع المشاريع الإنتاجية على استخدام المواد الأولية ذات التكلفة العالية والعزوف عن استخدام المواد البديلة الرخيصة.

هذا التناقض يؤدي إلى هدر كبير في استغلال جميع الموارد المتاحة، إضافة إلى النقص الناتج في إشباع حاجة الطلب لذوي الدخول المتدنية التي تستهلك السلع الرخيصة. ونرى في سبيل التحديد الدقيق لكفاءة التشغيل وتقييم الأداء الصحيح في الشركات ذات الإنتاج المتماثل (شركات الغزل والنسيج مثلاً)، أو في الشركات التي تشكل المواد الأولية والمستلزمات السلعية الجزء الأكبر من بنية الكلفة الإجمالية أن يحتسب هامش الربح بعد حذف المواد الأولية.

بعد ذلك يضرب المعدل الناتج (بمعامل) رياضي بحيث لا تقل كتلة الأرباح النهائية عن نسبة (10% ـ 15%) وبحسب طبيعة المادة.

هذا الموضوع على درجة كبيرة من الأهمية للاقتصاد الوطني حيث يحفز إدارات المشاريع المختلفة على تنويع وتحسين إنتاجها من ناحية، كما يؤدي إلى تقييم علمي صحيح لنشاطات الشركات المنتجة على الصعيد العملي نرى مثلاً أن شركات الغزل والنسيج في القطر تستهلك أنواع متباينة من مراتب نوعية القطن العالية والمنخفضة، كما أن قيمة المواد الأولية في هذه الشركات تشكل نسبة مرتفعة من بنية التكلفة الإجمالية.

8 ـ 3 ـ شركة النسيج رقم «1» تستهلك الخيوط العالية الجودة 32/1 ذات السعر المرتفع قياساً لشركة أخرى مماثلة (رقم 2) التي تستهلك الخيوط المتدنية.

شركة الشرق للألبسة الداخلية تستهلك أيضاً نوعية عالية من الخيوط القطنية، وبالطبع فإن قيمة المواد الأولية في هذه الشركة ستكون أكبر من قيمة المواد الأولية التي تقوم بتصنيع «أكياس الخام» مثلاً. علماً أن معدلات التنفيذ الإنتاجية للشركتين هي ضمن المعدلات التخطيطية المقررة.

ما يحدث فعلاً أن بنية الكلفة الإجمالية في الشركة رقم /1/ ستكون مرتفعة قياساً لكلفة المواد الأولية في الشركة رقم /2/ نتيجة ارتفاع قيمة المواد الأولية. وإذا كانت نسبة الربح القانونية للشركتين بمعدل 15%، فإن الكتلة الإجمالية للربح في المشروع الأول ستكون حتماً أكبر من الكتلة الإجمالية في المشروع الثاني، وهذا تناقض يؤدي إلى عدم تقييم صحيح لمستوى الأداء لإنتاجية المشاريع المتماثلة في حين قد يحدث فعلاً أن استغلال الطاقات المتاحة ونسب الانتفاع من الطاقة في المشروع الثاني أفضل منه في المشروع الأول.

8 ـ 4 ـ من ناحية أخرى نرى عملياً أن الشركات المنتجة في القطاع العام في القطر تعمد إلى رفع أسعار منتجاتها مباشرة في حال ارتفاع أسعار تكاليف مستلزمات الإنتاج المختلفة، أو ارتفاع أسعار المواد الأولية المستوردة، وهي تنجح في كثير من الأحيان في تعديل أسعار منتجاتها في السوق الداخلية. في حين لا تكون هذه الصورة مماثلة أيضاً في حال انخفاض أسعار المواد الأولية المستوردة مثلاً.

والنتيجة تكون أن الربح المحقق في كثير من المشاريع المنتجة في القطاع العام مثلاً ناجم ليس عن عوامل اقتصادية حقيقية كزيادة وتحسين نوعية الإنتاج، استغلال الطاقات الإنتاجية، وكفاءة استخدام المواد الأساسية فحسب، وإنما مصدره انخفاض مستوى أسعار المواد الأولية المستورد، في ظل ثبات السعر النهائي المقرر في فترات سابقة.

8 ـ 5 ـ المؤشرات العامة في أغلب الشركات المنتجة في القطر هو ارتفاع منحنيات التكاليف الفعلية وكنتيجة لعدم التلاؤم بين نفقات إنتاج بعض أنواع المنتجات وبين نوعية هذه المنتجات ومنافعها الاستعمالية من جهة أخرى فيجب مراعاة الخصائص الاستعمالية لهذه المنتجات وليس طبقاً لنفقات إنتاجها الفعلية مع مراعاة وجود القطاع الخاص المنافس للكثير من السلع والمنتجات.

وفي هذه الحال سيكون أسعار بعض المنتجات أقل من نفقات إنتاجها ومستوى أسعار منتجات أخرى أعلى من نفقات إنتاجها.

أما في عملية تنظيم الأسعار للمواد المنتجة لأول مرة مثلاً أو بالنسبة للمشاريع الإنتاجية التي لا تزال في مراحل التشغيل الأولي ومعدلات الإنفاق الفعلية مرتفعة بشكل حاد فيجب الأخذ بعين الاعتبار أيضاً وريثما تتوفر الظروف الطبيعية للإنتاج عوامل عديدة ومنها مستوى الأسعار العالمية وأسعار البلدان المجاورة للإنتاج المتماثل نوعياً.

من جهة أخرى عند تحديد معدلات الريعية ونسب أرباح الشركات المنتجة يجب مراعاة طبيعة السلعة ومكانتها في أولويات الحاجات الاجتماعية وحث المشاريع المنتجة على الإقلال ما أمكن من نسب الهدر المختلفة.

8 ـ 6 ـ إن تخفيض معدلات الربح الإنتاجية لسلعة ما «كالأدوية» مثلاً بهدف اجتماعي كتخفيض سوية السعر النهائي للمستهلك وتحقيقاً للسياسة الاجتماعية لا يعني إطلاقاً أن يتحمل المعمل المنتج الأثر الناجم عن ذلك، وإنما يجب امتصاص آثار هذه السياسة السعرية من ميزانية الدولة أو عن طريق الصندوق المعدل للأسعار مثلاً.

إن المؤسسات الإنتاجية تمثل وحدات مستقلة اقتصادياً، أما عملية تنظيم الأسعار النهائية للسلع ذات الطابع الاجتماعي فهو موضوع مستقل تماماً عن تكاليف وأسعار المعمل المنتج لهذه السلع.

ولهذا فإن تنظيم أسعار الجملة للمشاريع المنتجة بشكل مستقل عن تنظيم أسعار المفرق وخاصة للسلع ذات الأهمية الحياتية يكتسب أهمية قصوى. في حالات أخرى عند الاختلال الواسع للتعاون بين حاجة الطلب والعرض خاصة بالنسبة للسلع الرائجة المعمرة والتي لا تعاني من أزمات التصريف فيجب محاولة إعادة هذا التوازن إلى حده الطبيعي عن طريق تخطيط معدلات الريعية زيادة كتلة الأرباح ودفع المنشأة لتوسيع قدراتها الإنتاجية من جهة وإنتاج الأنواع الأكثر تقدماً وتحسين النوعية من جهة أخرى.

8 ـ 7 ـ إن انحراف السعر عن القيمة يضع أمام الإدارات الاقتصادية المختلفة الإمكانيات العملية لزيادة وتحسين الإنتاج من ناحية وتوزيع الدخل الصافي المنتج في الاقتصاد الوطني بين فروع الاقتصاد وأنواع المنتجات المختلفة.

وبواسطة التحكم في معدلات الريعية يمكن توجيه الإنتاج الصناعي والزراعي مثلاً لزيادة إنتاج أنواع السلع اللازمة للاقتصاد الوطني. كما يمكن تشجيع إنتاج السلع الجديدة بأسعار تزيد عن النفقات الاجتماعية اللازمة لإنتاجها في سبيل تجديد وتوسيع الإنتاج، زيادة وتقليص الاستهلاك ـ تحقيق معدلات نمو عالية لفروع اقتصادية معينة والتأثير في معدلات التراكم والادخار.

إن سياسة انحراف السعر عن القيمة يجب ألا تنعكس بشكل مباشرة على ريعية أو خسارة الشركات المنتجة حكماً.

آ ـ إن نظام محاسبة المسؤولية وتقييم الأداء الاقتصادي يقتضي بالضرورة محاسبة الشركات المنتجة ضمن الشروط الموضوعية للإنتاج. وبالتالي فإن هدف زيادة أرباح المشاريع المنتجة، يجب أن يتحقق بشكل اقتصادي أولاً. وذلك عن طريق الاستغلال الأمثل للطاقات المتاحة وتحسين النوعية وتخفيض الهدر والاستخدام الصحيح للتكنولوجيا وإن ضمان ريعية مناسبة للمشاريع المنتجة يعتبر ضمان أساسي لتحفيز الإنتاج وتطويره لأن زيادة أسعار السلع الجديدة ذات النوعية العالية ـ والمنتجة لأول مرة يهدف إلى توسيع الإنتاج وتطويره. كما أن تخفيض أسعار السلع الراكدة يهدف إلى تشجيع تسويق هذه السلع من ناحية وتخفيض إنتاجها من ناحية أخرى.

إن تخفيض أسعار بعض السلع الصناعية، يهدف بشكل أساسي إلى حث إدارات هذه المشاريع الاقتصادية على إعادة تقويم أساليب وإجراءات الإدارة القديمة، وتغيير طريقة الإنتاج وتخفيض الهدر والنفقات.

ب ـ إن الوظيفة التحفيزية تكمن بشكل عام في تحديد الدولة للمعايير الاقتصادية التي تلزم بها قطاع الإنتاج والاستهلاك كما يمارس السعر تأثيراً متبادلاً مع الحوافز الاقتصادية الأخرى وضغطاً فعالاً على تخفيض التكاليف ورفع مستوى نوعية المنتجات واستثمار كافة الاحتياطات واستغلال الطاقات والموارد المتاحة بشكل أفضل.

وللسعر مفهوم مماثل في مجال تنظيم التجارة الداخلية. إن تحديد الدولة لهوامش الربح التجاري المتضمنة تكاليف التسويق والتوزيع ونسبة الربح التجاري المقررة إنما تهدف إلى توسيع مؤسسات التجارة الداخلية من ناحية وإلى ترشيد حركة دورة السلع المختلفة وتحسين تنظيم توزيع السلع بشكل عام.

إن ريعية المؤسسات التجارية ترتبط إلى حد كبير بمستوى حركة الدورة السلعية وبمستوى تكاليف هذه الدورة.

تاسعاً ـ الجهاز المركزي للأسعار:

9 ـ 1 ـ إن نجح السياسة السعرية لتحقيق التوازن بين الإنتاج والاستهلاك مرتبط بالاتجاهات الاستراتيجية والأساسية لسياسات الدولة الاقتصادية الأخرى. وهو ارتباط لا ينفصم أيضاً بمسألة التنمية المتوازنة لفروع الاقتصاد بأسره، وعلى التوزيع العادل للدخل القومي لكافة الطبقات الاجتماعية والذي له التأثير الحاسم في تكون حجم الطلب وعلى الاستثمارات الإنتاجية في القطاعات الاقتصادية.

ـ إن المهمة الأساسية التي لا تستدعي التأجيل بأي شكل من الأشكال خلق الجهاز المركزي للأسعار الذي يعتبر «بيت الخبرة» الاقتصادي وخاصة لتطوير وتحديث القطاع العام.

يرتبط هذا الجهاز بمجلس الوزراء مباشرة، ويتعاون هذا الجهاز مع كافة معاهد البحث العلمي والجامعي، ويضم في كوادره الخبرات العلمية والأقسام المتخصصة التي تقوم:

1 ـ تنظيم أسعار القطاع العام والعلاقة الاقتصادية المتبادلة لأسعار السلع المتماثلة والمنتجة في القطاعات المتعددة.

2 ـ إجراء الدراسات الاقتصادية الميدانية لتفعيل الوظيفة «التحفيزية» للأسعار ولمنتجات القطاع العام والخاص والمشترك، هذه الوظيفة الهامة مشلولة حالياً.

3 ـ دراسات الجدوى الاقتصادية للمشاريع والسلع المنتجة محلياً.. دراسة بنية التكلفة الدولارية  والتكلفة الاجتماعية والفعلية..

4 ـ تنظيم أسعار السلع المستوردة وبدلات الخدمات.

5 ـ تنظيم أسعار منتجات القطاع الزراعي والتعاوني وخاصة لسلع ذات الأهمية الحيوية والاستراتيجية.

6 ـ دراسات متتابعة لعملية توزيع وإعادة توزيع الدخل القومي عن طريق الأسعار ولإيجاد التوافق النسبي بين تكاليف المعيشة والأسعار والأجور.

9 ـ 2 ـ وإذا اختارت الدولية عملياً مفهوم «تحرير» أسعار القطاع الخاص ضمن الظروف الاقتصادية الحالية المعروفة… إلا أن ترك هذه العملية التحريرية لأسعار القطاع العام سيؤدي إلى تناقضات سلبية.. ونرى أنه لا يمكن ترك تنظيم أسعار القطاع العام للشركات المنتجة ذاتها أو لوزارة الصناعة. بل إن هذه المسؤولية الاقتصادية البالغة الأهمية يجب أن تناط بجهة مسؤولة أخرى بالطبع حيث لا يمكن ـ إذا صح التشبيه ـ أن يكون (القاضي والمتهم والمحامي أو التائب العام) معاً وبجهة واحدة.

9 ـ 3 ـ إن المهمة الأساسية للأسعار في إطار الجهاز المركزي للأسعار ستشكل حافزاً اقتصادياً رئيسياً لدفع تطور الاقتصاد الوطني ووسيلة لتوزيع وإعادة توزيع الدخل القومي وكمؤشر هام لريعية وخسارة المشاريع الإنتاجية.. وليس من قبيل المبالغة القول أن الفئات الطفيلية المستفيد الأول من غياب الجهاز المركزي للأسعار..

عاشراً ـ الريعية والقطاع العام:

10 ـ 1 ـ وفي كل الأحوال فإننا نؤكد بأن القطاع العام بالوضع الحالي في وضع غير اقتصادي أو صحي لأسباب عديدة أهمها ما يلي:

آ ـ إذا تم إعادة تقييم الاستثمارات الرأسمالية لهذا القطاع من آلات ومعدات وعقارات وأراضي... بأسعار السوق الحقيقية رغم انخفاض الأسعار الفعلية والركود الاقتصادي الحالي.

وتم استخراج نسبة الربح الفعلية إلى قيمة الاستثمارات الفعلية فإننا في وضع مأساوي لا نحسد عليه.

وإذا تم تقييم قيمة المجمعات والصالات الاستهلاكية مثلاً بقيمة السوق الحالية، فهل يمكن التحدث عن نسبة محددة أو متواضعة للربح.

وإذا تم احتساب التكلفة الإجمالية والتكلفة الدولارية للكثير من السلع المنتجة ومقارنتها بسعر السلع البديلة المستوردة فهل نحن في وضع اقتصادي مقبول؟.

وهل يقبل القطاع الخاص أو المشترك أن تكون الأرباح المحققة 1% مثلاً قياساً لقيمة الاستثمارات الرأسمالية الفعلية. ومن العجز أو الفشل الادعاء بأن القطاع العام لا يستهدف الربح أو الريعية المناسبة فالحسابات الاقتصادية بالطبع هي المعيار الأساسي للتنمية الاقتصادية.

ب ـ ولا نقصد هنا إطلاقاً تبرير خصخصة القطاع العام، أو التوقف عن الإنتاج لارتفاع التكلفة الفعلية أو انعدام الربح....

ـ إنما ما نقصده بدقة هو اتخاذ الإجراءات الاقتصادية لتخفيض منحنيات التكلفة الفعلية وزيادة نسب الانتفاع من الطاقة... ودراسة رفع الإنتاجية والريعية والاستفادة من الطاقات المتاحة بشكل اقتصادي ونوعي.. إن ما نريده أصلاً هو دراسة المسألة الإدارية تماماً.

ـ لقد بقي مثلاً أكبر مجمع صناعي في القطر «شركة الفرات للجرارات» في حالة عطالة دائمة استمرت أكثر من خمس سنوات وبقي معمل ورق دير الزور عشرون عاماً «في العناية المشددة»... وهناك الأمثلة العديدة لكثير من الشركات في حالة عطالة دائمة أو جزئية. فهل يجوز السكوت أو القبول بهذا الوضع؟؟‍‍!!.

حادي عشر ـ العمالة الفائضة والقطاع العام:

11 ـ 1 ـ من الأخطاء الاقتصادية الشائعة في الأوساط المختلفة بأن أحد الأسباب الرئيسية لخسارة وفشل بعض شركات القطاع العام هو «العمالة» الزائدة أو الفائضة المستخدمة ويأتي دائماً الرد المباشر والتبرير العفوي بأن الدولة تقوم بالدور الاجتماعي المطلوب من ناحية والتخفيف من أزمة البطالة من ناحية أخرى.

1 ـ من دراساتنا الاقتصادية السابقة التي شملت مختلف النشاطات الاقتصادية في القطر ولأغلب شركات ومعامل القطاع العام وجدنا أن نسبة الرواتب والأجور إلى التكلفة الإجمالية منخفض جداً وهذا مرده بالطبع انخفاض مستوى الرواتب والأجور أصلاً.

نسبة الرواتب والأجور إلى التكاليف الإجمالية لم تتجاوز في أغلب الشركات 10 ـ 15% في قطاع الإسمنت 17%.

في دراستنا لتكاليف إنتاج الجرارات المنتجة في شركة الفرات للجرارات نرى أن نسبة الرواتب والأجور إلى التكلفة الإجمالية 5.61% مع الإشارة إلى أن سعر الجرار المقرر /469/ ألف ليرة سورية لا يزال نافذاً لتاريخه.

ـ وبالتالي نصل إلى نتيجة هامة جداً أن أسباب الفشل أو الخسارات المتراكمة في بعض شركات القطاع العام ليس مرده فقط التوظيف الواسع أو العمالة الزائدة أو الفائضة فحسب، وإنما عوامل عديدة ومتشابكة وأهمها عدم استغلال الطاقات الإنتاجية المتاحة، والهدر المتعدد الجوانب وإهمال تقنية تحديث الآلات وإغفال علم الإدارة..

2 ـ إن انخفاض نفقات الاستخدامات وأهمها انخفاض نسبة الأجور ومتمماتها إلى التكلفة الإجمالية مرده انخفاض مستوى الرواتب والأجور للعاملين في الدولة كما ذكرنا من ناحية، وإلى ارتفاع نسبة تكاليف المستلزمات السلعية الدولارية المستوردة لاعتماد وتقييم سعر القطع الأجنبي بمستوى أسعار القطع في البلدان المجاورة.

لقد ارتفعت قيمة المستوردات بالقطع الأجنبي في هذا المعمل أو ذاك بمعدل 282% قياساً لعام 1988/ لم يواكبه ارتفاع مناسب لمعدلات الرواتب والأجور.

3 ـ من ناحية أخرى نرى أن المشكلة الأساسية والجوهرية في اقتصادنا الوطني يكمن في عدم الاستخدام أو الاستفادة النوعية من «عمالة» هذا القطاع العام.

وفي الحقيقة هناك «مليون» عامل وموظف في شبه بطالة مقنعة.

أن الجزء الأكبر من قوة العمل الوطنية في معاملنا وشركاتنا المختلفة ودوائر وزاراتنا المختلفة في حالة شبه /شلل/.

هذه هي الحقيقة العارية ومن يدعي غير ذلك فهو يبني بيتاً على الرمال... وهل يثبت ركنٌ له الرمال دعام.

ونكرر إن هذا الموضوع على درجة من الأهمية حيث أن أهداف وطموحات أي مجتمع أو نظام هو التشغيل الاقتصادي الكامل وبدون بطالة بالطبع، وبالنوعية والكفاءة اللازمة لاستخدام وتفعيل قوة العمل.

4 ـ إن تقييم نجاح أو فشل نظام أو إدارة اقتصادية ما في القطر يتوقف بشكل رئيسي ونسبي على إيجاد الوسائل الناجعة والكفيلة لاستغلال الطاقات المتاحة بما فيها قوة العمل وخاصة في القطاع العام.

ثاني عشر ـ القطاع العام والأجور والحوافز الإنتاجية:

لقد أتيح لنا خلا سنوات طويلة دراسة أغلب المشاريع الاقتصادية للمعامل المنتجة في القطر. وإذا أردنا ربط الإنتاجية والريعية الاقتصادية المتحققة بشكل عام بكتلة الأجور مثلاً فإننا نرى لأول وهلة أن انخفاض مستوى الأجور مرده بالطبع إلى انخفاض الإنتاجية والريعية المحققة أيضاً. الأمر الذي يبرر ـ كما يقولون ـ تدني مستوى الرواتب والأجور.

لكن حقيقة البحث الاقتصادي تؤكد أيضاً حقيقة أخرى أكثر دقة وأهمية.

12 ـ 1 ـ إن أغلب معامل وشركات القطاع العام «الحديثة» كانت أصلاً في مستو متدن من التكنولوجيا والنوعية المطلوبة. يعني «ستوك» وبالحرف الواحد كمعل الأمونيا يوريا «الأسمدة» ومعمل اترنيت حلب ومعمل ورق دير الزور ومعامل الزجاج والمصابيح….

وعلى سبيل المثال لا الحصر:

آ ـ لقد أكدنا في دراستنا الاقتصادية التفصيلية حول معامل الأسمدة والمعروضة في 25/3/1980 وبناء على تكليف السيد نائب رئيس مجلس الوزراء للشؤون الاقتصادية وبالحرف الواحد ما يلي:

«إن الخسارات التي ستنجم عن استخدام «النفتا» في معمل الأمونيا يوريا سيبلغ مئات الملايين. والحل الاقتصادي هو تشغيل المشروع على الغاز من الحقول السورية ومصفاة حمص علماً بأن الغاز في الحقول السورية ومصفاة حمص كطاقة مهدورة في الهواء وليست طاقة مخزنة أو مستغلة فعلاً».

كما ورد أيضاً في دراستنا الاقتصادية النص الحرفي للعدد /49/ الصادر في تشرين الثاني لعام 1979 لاتحاد الأسمدة العرب:

(تعتبر سورية الدولة العربية الوحيدة التي تستخدم النفتا في الوقت الحاضر لإنتاج الأمونيا يوريا. والمعروف أن كل مصانع الأمونيا التي تستخدم النفتا كالتي في اليابان وأوروبا الغربية قد توقفت بسبب ارتفاع أسعار النفتا).

لقد بلغت خسائر مجمع الأمونيا يوريا (الحديث جداً) في السنوات 1982 ـ 1983 ـ 1984 مثلاً 869 مليون ليرة.

فما هو ذنب القطاع العام والعمال من هذا الوضع المأساوي وهل تنقطع الحوافز الإنتاجية عن العمال إذا كانت بعض معامل القطاع العام منسقة أصلاً.

ما هو ذنب العمال والحوافز في معمل ورق دير الزور مثلاً. إذا كان مفاعل /كوبلان/ ستوك ومنسق تماماً. علماً لا يوجد دولة في العالم تنتج الورق من قش القمح؟ فما هي مسؤولية العمال عن انخفاض الإنتاجية والريعية والحوافز والرواتب إذا كان المعمل متوقفاً منذ عشرين عاماً؟.

12 ـ 2 ـ تعتبر عملية إهمال تجديد واستبدال الآلات والمعدات المستهلكة في القطاع العام جناية من الدرجة الأولى. إن قيمة الاهتلاكات السنوية المقتطعة لهذه الآلات يجب أن تغطي قيمة استبدال آلات الإنتاج خلال فترة زمنية محددة...

فهل جددت آلات ومعدات الإنتاج في معمل ما بعد إنتاجية استمرت 10 ـ 15 سنة مثلاً؟

آ ـ إننا نرى مثلاً أن القطر ينتج حوالي /1/ مليون طن من القطن، وبنوعية عالية، في حين نرى آلات الغزل والنسيج لا تزال في مستوى النصف الأول من القرن الماضي. لقد بلغت خسائر المؤسسة العامة للصناعات النسيجية عام 1999 حوالي /1898/ مليون ليرة وف عام 1998 قاربت الخسائر /767/ مليون ليرة بالإضافة إلى مديونيتها البالغة /27383/ مليون ليرة عام 1999، ولغاية 1999 تجاوزت خسائر المؤسسة النسيجية /18/ مليار ليرة سورية.

ب ـ وتشير الأرقام الإحصائية أن إنتاج مؤسسة الصناعات النسيجية يشكل ما يقارب 20% من إنتاج القطاع العام الصناعي.

لقد توقف تجديد وتحديث الآلات فترات طويلة وتكاليف استبدال الآلات والخطوط القديمة يعادل حوالي /170/ مليون دولار. علماً أن المؤسسة تعمل حالياً بحوالي نصف الطاقة الإنتاجية المتاحة القصوى؟.

والسؤال الهام أيضاً: هل العامل مسؤول عن استبدال الآلات؟ وهل الرواتب المتدنية والحوافز مسؤولة عن هذا الوضع الإنتاجي المعروف.

وهل القطاع العام فاشل ـ كما يدعون ـ لأنهم هم بالذات لم يستبدلوا آلاته المهتلكة منذ أكثر من خمس وعشرين سنة؟. وهل نستطيع أصلاً إطلاق «صفة» أو تسمية القطاع بأنه «عام» أصلاً؟.

وإذا كانت زيادة الأجور مرتبطة اقتصادياً بالإنتاجية وإذا كان انخفاض هذه الإنتاجية عائدة لأسباب قاهرة عن إرادة العمال فما هو الحل؟.

جـ ـ ومن ناحية أخرى هل تنخفض الحوافز الإنتاجية والتي هي جزءاً أساسياً لدخول العمال بسبب الفشل في عملية التسويق أو ارتفاع قيم مخازن المستودعات..

وبالتأكيد يجب التحدث طويلاً عن الإدارة الإنتاجية بعناصرها المتعددة. ويجب ألا ننسى أن أحد العوامل الأساسية في انهيار الاتحاد السوفييتي السابق هو ببساطة إغفال مفاهيم الإدارة الحديثة.

ـ إن الأمثلة التي أوردناها على عجل وهي موجودة تفصيلاً في عشرات الدراسات الاقتصادية التي تم إنجازها تؤكد حقيقة. يتجاهلها الكثيرون وهي أن الصعوبات والمشاكل المتشابكة والفشل النسبي لبعض مؤسسات القطاع العام ليس مرده العمالة الزائدة كما يدعون ببساطة.. وليس الدور الاجتماعي للدولة في القضاء على البطالة لأن مستوى الرواتب والأجور أصلاً متدنية وهي تشكل نسبة متواضعة في منحنيات التكلفة الأساسية.

إن هذا الفشل النسبي مرده أسباب كثيرة ومتشابكة وهذا يحتاج إلى مجلد وبحث آخر.

أخيراً ـ النتائج الأساسية:

إضافة إلى النتائج المبينة تفصيلاً في فقرات الدراسة نؤكد باختصار الأمور التالية:

1 ـ إن المفهوم العام لمسألة السياسة السعر والرواتب والأجور المرتبطة بالأمن الوطني والاقتصادي يكمن في مفهوم الأمن للشعوب لا أمن الرفاه الطبقي.

وينطلق من مبادئ الميزة النسبية وترشيد النمط الإنتاجي والاستهلاكي، وبالتكلفة الاجتماعية الضرورية، وتحفيز الإنتاج وتحسين النوعية.

أن ارتباط مفهوم المسألة السعرية ومسألة الرواتب والأجور بالمنتجين المباشرين الذي يخلقون القيمة في كل القطاعات الاقتصادية المنتجة، بمصالح الطبقات الكادحة والعريضة ضرورة حتمية.

2 ـ القطاع العام هو القاعدة الأساسية للتنمية الوطنية... وبالتالي فإن توفير الشروط الموضوعية والذاتية والتحفيزية لنجاح وتطور القطاع العام والخاص واستغلال الطاقات المتاحة وتخفيض الهدر المتعدد الجوانب... شرط أساسي للتنمية الوطنية والاعتماد على الذات.

إن تصنّع الحكمة الزائفة والصمت عن استباحة دم القطاع العام، والعبث اللامسؤول داخل مؤسساته وشركاته لا يقل خطورة عن خصخصة وتصفية القطاع العام.

إن تطبيق مفاهيم «الإدارة الحديثة» ضرورة حتمية لتطوير وتحديث القطاع العام.

3 ـ لقد ازدادت نفقات المعيشة للمواد الغذائية عام 2000 بمعدل 300% قياساً لعام 1987. إن القوة الشرائية الحقيقية لأجر أدنى مرتبة وظيفية عام 2001 وبعد زيادة الرواتب والأجور الأخيرة أقل من القوة الشرائية الحقيقية لعام 1987.

آ ـ إن وسطي تكاليف المعيشة للأسرة السورية وباعتماد /2400/ حريرة للفرد وبالأسعار الرسمية، وبدرجة الإعالة 4.1 فرد/أجر يعادل /9840/ ل.س شهرياً. علماً أن وسطي الإنفاق الفردي المتواضع المعتمد على إنفاق المواد الغذائية يعادل /48/ل.س فقط يومياً. وبالتالي فإن إجمالي الإنفاق على المواد الغذائية للأسرة يعادل /5904/ل.س وهو أكبر من راتب بدء التعيين لحملة الدكتوراه في كافة الاختصاصات.

ب ـ إن 96% من فئات العاملين في الدولة لا تغطي رواتبهم وسطي تكاليف المعيشة.

إن 68% من العاملين في الدولة لا تغطي أجورهم وسطي الإنفاق على المواد الغذائية فقط.

هذا التناقض الخطير (لمقص الأسعار) بين تكاليف المعيشة والرواتب والأجور هو أهم مصادر الرشوة والفساد في البلد.

4 ـ المهمة الاقتصادية الأساسية تتطلب دراسة الإجراءات الاقتصادية الضرورية لرفع القدرة الشرائية للعملة الوطنية، وإعادة النظر بالسياسة السعرية وتعديل مستوى الرواتب والأجور. وكمهمة سريعة (عناية مشدّدة) يتطلب زيادة الرواتب والأجور بمعدل 25% على الأقل. كما أن الإعفاء الضريبي للرواتب والأجور يجب ألا يقل عن /5000/ل.س وهو الحد الأدنى المطلوب لتغطية وسطي نفقات الأسرة السورية للمواد الغذائية فقط.

5 ـ الوظيفة الأساسية للدولة حالياً تكمن في وظيفة الإسهام المباشر في المجالات الإنتاجية وتخفيف أزمة البطالة، واتخاذ الإجراءات الاقتصادية لتطوير روافع النمو والاستثمار الاقتصادي وحماية المصالح الاقتصادية للفئات الشعبية الكادحة والعريضة.

6 ـ إن الأبعاد الاقتصادية لاستخدام السياسة السعرية وآليات السوق يأتي من المفهوم الشامل للكفاءة والأداة الاقتصادية.

وبالتالي فإن نجاح السياسة السعرية لتحقيق التوازن بين الإنتاج والاستهلاك مرتبط بالاتجاهات الاستراتيجية الأساسية لسياسات الدولة الاقتصادية الأخرى. وهو ارتباط لا ينفصم أيضاً بمسألة التنمية المتوازنة لفروع الاقتصاد بأسره، وعلى التوزيع العادل للدخل القومي لكافة الطبقات الاجتماعية والذي له التأثير الحاسم في تكون حجم الطلب والاستثمارات الإنتاجية.

لقد أثبتت التجربة العملية بأن الشعارات والنظريات والأفكار ما هي إلا من صنع البشر، فهي لا تعني شيئاً، إذا لم تخدم الواقع بأطر ديناميكية، تتفاعل معه بشكل جدلي ومع تغيره المستمر نحو التطور والتقدم المنشود.

 

د. فهد الخطيب

 



* باحث اقتصادي عربي سوري ـ خريج جامعة حلب 1967، دكتوراه في العلوم الاقتصادية اختصاص علم الأسعار 1978 ـ شغل عدداً من المهام الإدارية والاقتصادية. له دراسات اقتصادية ـ ميدانية ـ شملت مختلف النشاطات الاقتصادية ـ حاضر في معهد التخطيط بدمشق وفي جامعات ليبيا. مؤلف لعدد من الأبحاث الاقتصادية القومية لمنظمات جامعة الدول العربية.

(*) المقريزي، إغاثة الأمة بكشف الغمة، ص41، وما بعدها.

( [1] ) لا مجال هنا لبحث مساهمات «الدعم» المختلفة. ويحتاج الموضوع لبحث دقيق خاص. وخاصة في مجال «البطاقة التموينية» مثلاً التي توزع بشكل غير صحيح على الأغنياء والفقراء على حد سواء. في حين المفهوم الحقيقي لهذا الدعم هو تخفيف أعباء تكاليف المعيشة للفئات المسحوقة وذوي الدخل المحدود أصلاً.

( [2] ) تم دراسة تكاليف الحد الأدنى للإنفاق الفردي على المواد الغذائية عام 1987 في دراستنا المنشورة «الأجور والأسعار» في مؤتمر الإبداع الوطني والاعتماد على الذات عام 1987.

(*) معادلة باش: ثقلت الأسعار بالكميات المعروضة بسوق الجملة سنوياً.

(*) معادلة لاسبيرز: ثقلت الأسعار بكميات سنة الأساس باستخدام عام 1990 كسنة أساس.